للطعن بالمرجعية الشرعية بعد وفاة النبي، وقربوا القائلين بنظرية عدالة كل الصحابة، وبذلوا لهم المال والجاه، وسخروا كل وسائل إعلام الدولة للترويج لهذه النظرية.
ومن الطبيعي أن لا تخفى هذه الأساليب على ذوي البصيرة من الصحابة الكرام، لكن أياديهم مغلولة، والأمة متفرقة، وقد غلبت على أمرها، فاستنكرها كبار الصحابة بالقول والفعل، لكن هذا الاستنكار كان يموت لحظة ولادته في زوايا البيوت، بينما كان تأييد هذه النظرية يعمم بكل وسائل الإعلام، وبدعم الدولة نفسها. فعمليات التنقيص من ولي الأمة ومرجعها الشرعي ولعنه وشتمه كانت أمورا يومية تمارسها الأمة بقوة السلاح، وعنفا عن إرادتها، ومن يعارض ذلك فمصيره مصير حجر بن عدي، وهو القتل وحرمانه من العطايا الشهرية أو لقمة العيش.
وبنفس الوقت، كانت عملية إيجاد المرجعية البديلة تشق طريقها بريح ملائمة.
المرجعية البديلة أصبحت شرعية:
مات جيل الصحابة الكرام، ومات التابعون الصادقون، وماتت المعارضة، واختفت حجة هؤلاء جميعا، ولم يبق منها إلا النزر اليسير. وبقيت كافة المعلومات الضرورية لإضفاء الشرعية على المرجعية المزيفة والبديلة موجودة بكامل تفاصيلها، لأنها جزء من وثائق الدولة المحفوظة، وبالتالي أصبحت شرعية حقيقية من حيث الظاهر بعد أن مات كل الذين يعرفون الحقيقة، وأخفيت حجتهم ومعارضتهم، ولم يبق منها إلا اليسير، فاعتقد اللاحقون أن المرجعية الشرعية التي أمر الله بها وأوجدها هي عينها التي نقلت إليهم عن طريق الدولة من أسلافهم، فأصبحت معارضة هذه النظرية معارضة للدين نفسه لا معارضة للذين أوجدوها، وأصبحت تقليدا لا تقبل المناقشة، ومن يناقشها أو يعارضها أو ينتقص من الذين وضعوها فهو زنديق لا يواكل ولا يشارب... الخ، ولأن الشيعة بزعامة أهل البيت يعارضون ذلك ولا يقبلون به، فمن الطبيعي أن تصب عليهم كل اللعنات وأن يصوروا كأنهم أعداء للدين وكفار مجرمون. وهذا ما استقر بذهن العامة، وبذهن العلماء الذين تخرجوا من جامعات هذه النظرية، ورووا التاريخ من خلالها.