في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون أنوف بني هاشم. وقد صفت هذه الأحاديث بأسلوب يجعل من كل صحابي (بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي آنفي الذكر) قدوة صالحة لأهل الأرض وتصب اللعنات على كل من سب أحدا منهم أو اتهمه بسوء (1). وقد أجمع الباحثون على أن نشأة الاختراع في الرواية ووضع الحديث على رسول الله (ص) إنما كان في أواخر عهد عثمان وبعد الفتنة التي أودت بحياته، ثم اتسع الاختراع واستفاض بعد مبايعة علي (عليه السلام)، فإنه ما كاد المسلمون يبايعونه بيعة صحيحة حتى ذر قرن الشيطان الأموي ليغصب الحق من صاحبه ويجعلها أموية وتوالت الأحداث بعد ذلك ونقض بعض المبايعين للخليفة الرابع ما عقدوا، وكانت حروب بين المسلمين انتهى فيها أمر السلطان إلى الأمويين. غير أن بناء الجماعة قد انصدع وانفصمت عرى الوحدة بينهم، وتفرقت المذاهب في الخلافة، وأخذت الأحزاب في تأييد آرائهم كل ينصر رأيه على رأي خصمه بالقول والعمل. وكانت نشأة الاختراع في الرواية والتأويل وغلا كل قبيل فافترق الناس. ولم يرزء الإسلام بأعظم مما ابتدعه المنتسبون إليه، وما أحدثه الغلاة من المفتريات عليه. فذلك ما جلب الفساد على عقول المسلمين وأساء ظنون غيرهم في ما بني عليه الدين، وإن عموم البلوى بالأكاذيب حق على الناس بلاؤه في دولة بني أمية، فكثر الناقلون وقل الصادقون، وامتنع كثير من أجلاء الصحابة عن الحديث إلا لمن يثقون بحفظه. (2) وأشار الإمام محمد عبده إلى ما صنعه معاوية لنفسه بأن وضع قوما من الصحابة والتابعين على رواية أخبار قبيحة على علي (عليه السلام) تقضي الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله فاختلفوا على ما أرضاه، منهم أبو هريرة (3).
(١١٠)