واصل بن عطاء عن الحسن البصري - حيث كان معه -، فتشكل الاعتزال، وظهرت أشكال أخرى للاعتزال كالجبائية والنظامية. ومن الجماعة الاعتزالية، انشق الأشعري، ليشكل في النهاية فرقة الأشعرية.
ولست في الواقع أروم التعمق في هذا المبحث، من كل زواياه. لأنه أوسع من أن يحتويه فصل واحد من فصول الكتاب. غير أنني أريد أن أشير إلى نقطة، هي أن أغلب ما قيل حول هذه الفرق، لم يكن أمينا للحقيقة، ومن جهة أخرى أن كل الشطحات التي وقع فيها أصحاب الفرق الكلامية، كانت بسبب الفجوة الواسعة التي تركتها الابتعاد عن توجيه الأئمة.
ومن تلك الادعاءات غير الأمينة، أن يكون التشيع وليد الاعتزال. أو أن المعتزلة كانوا أكثر دفاعا عن التوحيد بينما كان الأشعرية أكثر فهما له.
وكان أيضا للحالة السياسية تأثير مباشر على حركة التفكير الإسلامي ونشأة علم الكلام، إذ أن التبرير الذي جرى عليه علماء البلاط الأموي للظلم الأموي، ولد ردة فعل في نفوس أشخاص، فقالوا في الاختيار المطلق في مقابل قول الآخرين بالجبر المطلق، ومن ثم ظهرت أفكار واتجاهات كالقدرية والمفوضة، وتشعبت المسائل الكلامية واتخذت بعدا سياسيا، أسفر عن محنة شديدة حول (خلق القرآن).
نريد هنا أن نستعرض بإيجاز وجهة نظر كل من الفرق الثلاثة، لنضعها في الميزان، ونبرز مدى قيمة التفكير العقائدي لدى الشيعة، من دون أن نطيل في استعراض الترجمات والملابسات التفصيلية.
في التوحيد والصفات: اختلف أهل الفرق الإسلامية في تحديد علاقة الصفات بالذات، فمنهم من رأى أنها (معان زائدة) على الذات، مرتبطة بها، وقديمة قدمها. وذلك مذهب الأشاعرة.
ومنهم من قال بأن الصفات هي عين الذات، ولا تختلف صفة عن أخرى وعلى ذلك مذهب الشيعة ومن سار بعدهم من المعتزلة، فيما ترى الكرامية أن الصفات زائدة على الذات محدثة ليست قديمة، وهذا رأي لم يحتفل به الحكماء