كتبت عليها أدعية وآيات قرآنية للعلاج تسمى (محاية) لشرب مائها أو التبخر بها فصرت أفعل مثله وأمسك الورقة والقلم وأكتب عليها أحرفا غير مفهومة وأعطيها لإخواني إذا اشتكى أحدهم مرضا.
دخلت المدرسة وكان ترتيبي الأول دوما وطيلة بقائي في هذه القرية وكانت تكتمل فرحتي عندما أرى أثر السعادة في وجه والدي فأسرع إليهما كل مرة بالبشرى. وأبي يشجعني للمحافظة على هذا المستوى دون الوصول إلى الغرور مع تحذيره الدائم من حسد الآخرين والإصابة بالعين.
كنت قد بلغت التاسعة من عمري حين مرض والدي مرضا شديدا نقل على أثره إلى مدينة بورتسودان للعلاج هناك تصحبه أمي.
حينها شعرت بفراغ كبير.. لقد فقدت شيئا عظيما داخل قلبي. كما افتقده بيتنا، فوهج نوره ووجوده كان يملأ البيت كأي رب أسرة يفيض بعاطفته على أهله وأولاده فيكسوهم بحنانه... بات إخوتي وأهل القرية جميعا، يترقبون العودة.. يعدون الليالي والأيام.
وبعد فترة ترقب وانتظار... جاءنا الخبر يحمله عمي شقيق أبي.. لقد انطفأ ذلك السراج المضئ وانقلب بيتنا إلى بيت حزن يضج بالبكاء والنحيب وتوافدت جموع المعزين من أهل القرية بسرعة غريبة وتجمهروا أمام البيت. كنت مذهولا وكلما اقترب منا شخص يزداد نحيبا ويضمني وأخي الصغير إليه..
لم نبق كثيرا في مسمار بعد وفاة الوالد وانتقلنا إلى منطقتنا الأصلية " الكربة " وهنا أتممت دراستي الابتدائية، ثم انتقلنا إلى مدينة بورتسودان لظروف الدراسة والمعيشة فإخوتي بعضهم يعمل وبعضهم يدرس في المدارس فكان لا بد من الانتقال إلى مدينة تتوافر فيها مقومات هذه الأمور.
بدأت في بورتسودان مرحلة جديدة من حياتي بين صخب المدينة وأجوائها التي