استشهاد الزهراء (ع) ما أقسى لحظات فراق الأحبة، خصوصا إذا كان للعلاقة جذور تضرب في عمق القيم والمثل وتسقى بالوحي.. علاقة لا كسائر العلاقات.. علاقة بين نبي عظيم وابنة صديقة طاهرة من لحمه ودمه، ابنة ذابت في حب أبيها وليس حبا للأبوة فقط إنه حب من نوع آخر لا ندرك كنهه أنا وأنت.. لماذا؟! لأنها متبادلة بين أب اختاره الله باعتباره أعظم وأشرف خلق الله وهو المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وابنة طهرها الله وعصمها إذا هو حب منشؤه حب الله وطاعة الله.. لقد انفصمت عرى هذه العلاقة بانتقال الأب والمربي إلى الرفيق الأعلى، وترك الرسالة الإلهية من خلفه وقد أناط استمرارها تلك بالطرف الباقي الآخر، الابنة الزكية التي تدخلت الإرادة الإلهية مباشرة حتى في زواجها فكان الزوج عليا بن أبي طالب أفضل من يحفظ الرسالة في شخص فاطمة (ع) وغيرها. لكن القوم ما فهموا معنى الرسالة والرسول، وما وعوا معنى النبوة والوحي بل لم يقدروا الله حق قدره فاعترضوا على حكمه وتجاوزوا قوله.. ومن ثم اعتدوا على مقام النبوة، وأبوا إلا يجرعونا وكل المحبين لله ولرسوله الغصة تلو الأخرى، وتأبى الدمعة إلا أن تتسلل مصحوبة بألم هائل، إنها الزهراء وما أدراك ما الزهراء!! من يوم ما تعرفت على مأساتها وأنا أشعر بمسحة كآبة تمر بوجداني وحزن عميق يلفني عند ذكر اسمها فالقوم لم يراعوا فجيعتها بأبيها فاغتصبوا حقها وقبل ذلك ارتقوا مركبا صعبا هم ليسوا أهلا له ثم أرادوا إتمام ذلك ولو بالقوة فكان ما كان.
بقيت الزهراء حزينة منكسرة في بيتها تبكي وتشكو همها إلى الله عز وجل وتنتظر يومها الموعود فقد أخبرها المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنها أول أهل بيته لحوقا به كما مر... فضلت تبكي وتبكي إلى أن جاء " شيوخ " أهل المدينة يظهرون لعلي انزعاجهم وتأذيهم من بكاء فاطمة ويطالبونه بأمرها بالكف عن ذلك