الإتيان بالعذاب، لأنهم ابتداء يكذبونه في رسالته. وهود عليه السلام عندما حذرهم من عذاب اليوم العظيم. كان في الحقيقة يحذرهم من عذاب الاستئصال، لأن سنة الاستئصال كانت هي الجارية في صدر البشرية. وذلك لأن ظهور المجتمع الشاذ عن سبيل الفطرة في مرحلة تكوين المجتمعات الإنسانية.
قد يؤدي إلى انتشار الشذوذ والانحراف في المجتمعات الأخرى. لهذا كان بتر العضو المريض الذي لم يتقبل الدواء. رحمة وعبرة وشفاء للإنسانية في كل مكان. رحمة لأن الداء قد بتر ودفن في مكانه ولم يجتحهم، وعبرة كي يعيد المنحرف ترتيب أوراقه على أساس صحيح، وشفاء لقوم مؤمنين وتثبيت وإبلاغ لهم بأن السماء لا يفر من تحتها الظالمون.
لقد دخلت عاد بأقدامها إلى دائرة الاستئصال، وعندما قالوا لهود عليه السلام: (فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) (48) لم يزد عليه السلام في رده عن قوله: (إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون) (49) لقد قصر عليه السلام العلم بنزول العذاب في الله تعالى: (إنما العلم عند الله) لأن العذاب من الغيب الذي لا يعلم حقيقته إلا الله عز وجل. أما هود فلا علم له ما هو العذاب؟ ولا كيف هو؟ ولا متى هو؟ ولذلك عقب عليه السلام بقوله: (وأبلغكم ما أرسلت به) أي أن الذي حملته وأرسلت به إليكم هو الذي أبلغته إليكم، ولا علم لي بالعذاب الذي أمرت بإنذاركم به ما هو؟
وكيف هو؟ ومتى هو؟ ولا قدرة لي عليه، وإني أراكم قوما تجهلون، فلا تميزون ما ينفعكم مما يضركم وخيركم من شركم. حين تردون دعوة الله وتكذبون بآياته وتستهزؤون بما يوعدكم به من العذاب (50). لقد ظنت عاد أن طلبها للعذاب تعجيز لهود عليه السلام، في الوقت الذي كانوا فيه يسيرون بأقدامهم على طريق العذاب الذي يصل بهم إلى اليوم العظيم. لقد كانت أقدامهم تدب على أرض جدباء أخذ أهلها حذرهم من الطوفان فأذلهم العطش.