الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٨٥
عذاب غليظ) (65) (فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين) (66).
لقد جاءتهم الريح في يوم نحس كانوا يحتفلون فيه بمجد آبائهم الأوائل.
ففي اليوم النحس جاءتهم الريح لتكون عليهم في أيام نحسات ذات غبار وتراب لا يرى فيها أحد أحدا. جاءتهم مسخرة من الله عليهم، تضربهم مرة بعد مرة كي يستوعب الجميع الهلاك وذكر المسعودي: أن الريح أتتهم يوم الأربعاء. فما جاءت الأربعاء الثانية وفيهم أحد حي (67). وذهبت عاد وأصبحوا عبرة لمن أراد الاعتبار. وبقيت الريح.. نعم بقيت، فهي على كل مكان من الأرض. وهي في جوف كل إنسان وهي في مخازن الله. وكما ذكرنا أن للمؤمن مقاييس ينظر بها إلى الأحداث من حوله وما يمكن أن يترتب عليها، فليس كل ريح تأتي بخير وليس كل سحاب يأتي بماء. ولقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه. فلما سئل: يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر. وإذا رأيته أنت عرفنا في وجهك الكراهية. قال عليه وآله الصلاة والسلام " ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب.
قد عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب وقالوا هذا عارض ممطرنا " (68) وذهبت عاد. وقطع دابر الذين كفروا. فلا ترى لهم باقية. ليسر في عصرنا أحد ينتسب إلى عاد بدمائه لأن دابرهم قد قطع. ولكن في عصرنا من هواه على هوى عاد، في عصرنا يوجد من يقول: (من أشد منا قوة؟) وفي عصرنا أعلام ورايات تمارس سياسات التجويع والتخويف، وفي عصرنا فتحت للغطرسة معاهد، وراجت الأخلاق الحديدية التي لا تقيم للفضيلة وزنا. بل ذبحتها تحت المقاصل تحت شعار روح العصر الحديث. وفي عالم الأخلاق الحديدية. زخرف الشيطان كل شئ بما يستقيم مع روح العصر. وفي عالم الزخرف اعتنق الناس فضائل الأهواء وكل فضيلة من حديد. كل فضيلة ظاهرها الرحمة وباطنها يقبع فيه

(65) سورة هود، الآية: 58.
(66) سورة الأعراف، الآية: 72.
(67) مروج الذهب: 159 / 2.
(68) ابن كثير: 161 / 4.
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 91 ... » »»
الفهرست