الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٨٤
لقد جاءت الريح لتضرب المرتفعات والأعمدة وتضرب المنخفضات والحصون، جاءت الريح العقيم التي عقمت أن تأتي بفائدة مطلوبة في عالم حضارة عاد، جاءت لتدمر كل شئ (بأمر ربها) فضاع الجبابرة وخدام الجبابرة أصحاب البطش والأخلاق الحديدية. روي أن الريح كانت تأتي أحدهم فترفعه حتى تغيبه عن الأبصار. ثم تنكسه على أم رأسه. فيسقط على الأرض فتثلغ رأسه. فيبقى جثة بلا رأس (60) ولهذا قال تعالى: (كأنهم أعجاز نخل منقعر * فكيف كان عذابي ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) (61) وعلى امتداد أيام العذاب كان الجبابرة والمستكبرين يهرولون في كل مكان هربا من قسوة الرياح حتى إنهم كانوا يتحصنون الجبال والكهوف والمغارات، وحفروا لهم في الأرض إلى أنصافهم فلم يغن عنهم ذلك من الله شيئا (62) لقد أقاموا الأعمدة إلى أعلى وفقا لحسابات الطوفان، وأسرفوا في هذا العبث إسرافا كبيرا، وعندما جاءتهم الريح جعلوا من أنفسهم أعمدة في بطن الأرض، ولكن هيهات هيهات !
لقد طحنت الريح قصورهم وحصونهم ومدائنهم. عصفت عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما (فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية) وكانت ترفع الرجال والنساء إلى الجو ثم ترمي بهم فيقعون على رؤوسهم منكسين.
وكانت الريح تقلع الرجال والنساء من تحت أرجلهم ثم ترفعهم إلى السماء ثم تحطمهم حطما، كانت الريح تمر بأهل البادية فحملهم هم ومواشيهم وأموالهم حتى يكونوا بين السماء والأرض وتلقى بأهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة (63) لقد قهرت الريح الذين فشوا في الأرض وقهروا أهلها تحت شعار (من أشد منا قوة؟) أما هود عليه السلام وأتباعه فروي أنه عليه السلام اعتزل ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه ومن معه إلا ما تلين عليه الجلود وتلذ الأنفس (64) (ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من

(60) البغوي: 135 / 8، ابن كثير: 265 / 4.
(61) سورة القمر، الآيات: 20 - 22.
(62) ابن كثير: 342 / 3، البغوي: 231 / 6.
(63) ابن كثير: 412 / 4.
(64) ابن كثير: 226 / 2.
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»
الفهرست