كان يدعوهم بكلمة المودة والتعاطف (يا قوم) فيواجهوه بالشر الجسيم والتمرد العظيم والجرأة الغليظة. وهود عليه السلام ما كان يدعوهم إلا لعبادة الله. وما كان يخاطبهم إلا بلطف وعطف. وكان عليه السلام يعاتبهم على ما يقومون به من البناء فوق كل مرتفع من الأرض وعلى اتخاذهم مصانع تصنع لهم الحصون لعلهم يخلدون، وعلى شدتهم وخشونتهم في تعاملهم مع الناس، وذكرهم بنعم الله تعالى عليهم من أموال وبنين وجنات وعيون، ودعاهم إلى الرجوع إلى الله، لأن عدم الرجوع إليه بالتوبة والعمل الصالح سيترتب عليه عذاب يوم عظيم. يقول تعالى:
(كذبت عاد المرسلين * إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين * أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون * وإذا بطشتم بطشتم جبارين * فاتقوا الله وأطيعون * واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون * أمدكم بأنعام وبنين * وجنات وعيون * إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) (15).
لقد ردهم عليه السلام في دعوته إليهم إلى الحق الذي عليه تقوم الفطرة، قال لهم: (يا قوم) ليلقى خطابه القبول في نفوسهم، ودعاهم إلى تقوى الله، وأخبرهم بأنه أمين لهم وأنه يدلهم على الطريق الذي لا يخيب من سار على هداه. وأمرهم بطاعته لأن طاعته هي طاعة الله، وبين لهم أنه لا مطمع دنيوي له فيما يقوله لهم، فهو لم يسألهم الأجر. فإذا كان هو الأمين الذي يعرفون أمانته.
وهو أيضا الذي لم يسألهم الأجر. فإن في كل هذا دليل على أنه ناصح لهم فيما يدعوهم إليه.
كانت هذه مقدمته عليه السلام عندما خاطبهم. ثم بدأ ينتقد حضارة الأخلاق الحديدية فقال: (أتبنون بكل ريع آية تعبثون) قال البغوي: الريع:
المكان المرتفع (16).. وكانوا يبنون فوق المرتفعات بنيانا محكما هائلا باهرا (17)