الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٦٠
والعالمين الجماعات الكثيرة المختلفة من الأجيال اللاحقة بهم. فالله جعل الواقعة أو النجاة آية ليتدبر فيها جميع الأجيال قال تعالى: (ثم أغرقنا بعد الباقين) إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين) (89) وقال (ولقد تركناها آية فهل من مدكر * فكيف كان عذابي ونذر) (90) إن اليوم الأليم الذي ضرب انتفاخ الاستكبار أول الزمان دعوة لكي يكون الإنسان كريما. وهو لن يكون كريما إلا إذا أصبح حرا، والعبودية لله هي الحرية الحقيقية. وقافلة المؤمنين على السفينة الذين كان الانتفاخ الاستكباري يحتقرهم يوما ما. دعوة لكل إنسان على الصراط المستقيم. كي يمسك المؤمن عصيدته الحقة بأسنان الصبر. وأن يقبض على دينه وإن كان كالجمر، وأن يجعل قلبه بيتا للإيمان بالله، وأن يكون على يقين بأن العاقبة للمتقين حتى لو طال الليل ألف سنة إلا خمسين عاما. أو أكثر من ذلك.
وبعد أن قص الله تعالى قصة نوح عليه السلام في القرآن الكريم. توجه سبحانه بالخطاب إلى نبيه الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين) (91) قال المفسرون: أي إذا علمت ما آل إليه أمر نوح وقومه.
من هلاك قومه ونجاة من معه. وأن الله تعالى قد أورثهم الأرض على ما صبروا.
ونصر نوحا على أعدائه على ما صبر. فاصبر على الحق. فإن العاقبة للمتقين.
وبعد الطوفان اتسعت القافلة البشرية حول الجودي. ثم تفرقت بعد ذلك هنا وهناك. وعندما طال الأمد نشأت أجيال اجتالتهم الشياطين بعد أن ساروا بلا رصيد إيماني في دروب الحياة متبعين أهواءهم. وهذه الأجيال هي الأجيال التي أخبر الله تعالى بها نوحا بأنه سيمتعهم ثم يعذبهم، ولقد هرولوا في طريق الانحراف والشذوذ، وعلى امتداد الطريق زودهم الشيطان بالفقه المعدل لأطروحة رفض الرسول البشر كي ينسجم الفقه مع كل عصر، كما زودهم بأكثر من فقه ينتقصون ويحتقرون به بعضهم بعضا. وعلى امتداد رحلة التحقير خسر حزب الشيطان في كل العصور. وكانت العاقبة للمتقين في كل العصور.

(89) سورة الشعراء، الآيتان 120 - 121.
(90) سورة القمر، الآيتان: 15 - 16.
(91) سورة هود، الآية: 49.
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 63 64 65 66 ... » »»
الفهرست