الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٦٧
الناس الهداية التي تأتيهم من رسول يماثلهم في البشرية، فالشيطان رفض البشرية من أساسها وظن في نفسه أنه أعلى منها مقاما، ووفقا لهذا المخزون الذي تحتويه النفس الشيطانية، طرح الشيطان منهج الرفض هذا بما يستقيم مع البشر، فكل صاحب هوى وكل صاحب عدة وجموع سيرى في نفسه أنه أعلى مقاما من الذي يدعوه وعلى هذا ستنحصر الهداية في رقعة. وينطلق الشيطان في الرقعة الأوسع. والشيطان بطابوره الطويل زرع له أولياء مهمتهم الصد عن سبيل الله، معتمدين في ذلك على فقه التحقير بجميع أدواته من سب وطعن وغير ذلك، والله تعالى حذر من سبل هؤلاء الأولياء وسيدهم، وأخبر بأنهم أعداء للبشرية جمعاء ولا يريدون لها الخير. فقال تعالى: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو وبئس للظالمين بدلا) (12) لقد حذر سبحانه بأنه لا ينبغي للناس أن يفتتنوا بما يزينه لهم الشيطان وذريته من ملذات الدنيا وشهواتها لكي يعرضوا عن ذكر الله، ولا ينبغي أن يطيعونهم فيما يدعون إليه!
وعاد افتتنت بما زينه الشيطان لها، وأطاعته فيما يدعي إليه، ورفعت أعلام (من أشد منا قوة؟) وفي زمان الافتتان هذا، وفي عالم الأخلاق الحديدية هذه، بعث الله تعالى هودا عليه السلام إلى عاد. ولقد تعرض القرآن الكريم لقصة عاد والنبي المبعوث فيها هود عليه السلام في عشر سور منه هي: الأعراف، هود، المؤمنون، الشعراء، فصلت، الأحقاف، الذاريات، القمر، الحاقة، الفجر، وعاد الأولى هي إرم ذات العماد. وصاحب إرم غير عاد قوم هود، قال تعالى: (ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود) وإنما قال عاد قوم هود ليتميز عن عاد صاحب إرم ذات العماد. وجبار إرم ذات العماد أهلكه الله لتعتبر عاد ولكن عادا أمسكت بذيله وسارت على طريقته فبعث الله فيها هودا عليه السلام، وهود عليه السلام كما يراه القلب من خلال قصته مع عاد، كان إنسانا وقورا رزينا عاقلا واسعا صدره عظيما عقله، كبيرة نفسه، ذا شعور قوي، زاهدا عابدا عفيفا أبيا غيورا، صلب الإيمان خشنا في ذات الله سبحانه وتعالى، على الكافرين عذابا صبا وللمؤمنين أبا رحيما، لا يقابل الشر بمثله بل لا يفارقه العطف

(2 1) سورة الكهف، الآية: 50.
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»
الفهرست