الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٥٥
هذا تسمية منه عليه السلام. يجلب به الخير والبركة لجري السفينة وإرسائها، فإن في تعليق فعل من الأفعال، أو أمر من الأمور، على اسم الله تعالى وربطه به، صيانة له من الهلاك والفساد، واتقاء من الضلال والخسران، فالله تعالى رفيع الدرجات ومن تعلق به مصون لا محالة من تطرق عارض السوء. وروي أنه كان إذا أراد أن تجري قال: بسم الله. فجرت. وإذا أراد أن ترسو قال: بسم الله فرست.
وعندما كانت السفينة تجري بهم على وجه الماء الذي جرى في كل مكان، كان الكفار يهرولون إلى كل مرتفع من الأرض طمعا في أن لا يصل الماء إليهم.
صعدوا فوق سقوف بيوتهم وفوق جذوع النخل وعلى قمم الجبال، ولكن قممهم لم تغن عنهم من الله شيئا، فالأمواج طالت مرتفعاتهم، وصفعت وجوه الظالمين وألقت بهم في أحضان العذاب الأليم، كانوا يشاهدون السفينة التي صنعت من ألواح ودسر وهي تجري في موج كالجبال وعلى متنها الذين وصفهم الأشراف يوما بالأراذل، لقد شاهدوا ما كانوا يسخرون منه. فوجدوا نوحا وأتباعه في رحاب الأمن. بينما هم في أحضان العذاب الأليم يتجرعون عذاب الخزي وهم في طريقهم إلى العذاب المقيم. وبينما كانت السفينة تجري على وجه الماء طلت الأحداث الأليمة في اليوم الأليم يقول تعالى: (وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين * قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين) (75) قال المفسرون: قيل إن هذا الابن الرابع لنوح عليه السلام (76) وكان هذا الابن قد عزل نفسه عن أبيه والمؤمنين في مكان لا يقرب منهم. ولذلك قال: (ونادى نوح ابنه) ولم يقل: وقال نوح لابنه. والمعنى: ونادى نوح ابنه. وكان ابنه في مكان منعزل بعيد منهم. وقال في ندائه. يا بني - بالتصغير والإضافة دلالة على الاشفاق والرحمة - اركب معنا ولا تكن مع الكافرين فتشاركهم في البلاء كما شاركتهم في الصحبة وعدم ركوب السفينة. ولم يقل عليه السلام: ولا تكن من الكافرين. لأنه لم يكن يعلم نفاقه

(75) سورة هود، الآيتان: 42 - 43.
(76) ابن كثير: 246 / 4.
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»
الفهرست