الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٥٠
الرغم من وجودهم في دائرة العجز، لم يؤمنوا وكذبوا نوحا عليه السلام.
1 - استعجال العذاب:
رغم عجز القوم وعدم تحقيقهم أي تقدم للقضاء على نوح عليه السلام، إلا أن استكبارهم أغراهم للقيام بمهمة أليمة تدفع بهم إلى يوم أليم. وهذه المهمة هي اتفاق الأشراف والكبراء على طلب العذاب من نوح: (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فآتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) (58) لقد جاءهم بالبينة ليثبت صدقه، ولكنهم أعرضوا عنها، وجاءهم بالتحدي ليثبت صدقه، فلم يقدروا عليه وكذبوه، وها هم يطالبوه بأن يأتيهم بالعذاب ليثبت صدقه، يقولون هذا وعندما سيأتيهم العذاب لن يستطيعوا حتى التنفس، يقول المفسرون: لقد قالوا هذا بعد أن عجزوا عن دحض حجته، وأخفوا هذا العجز في ثياب الجبابرة، ومعنى قولهم والله أعلم: يا نوح قد جادلتنا. فأكثرت جدالنا، حتى سئمنا ومللنا، وما نحن لك بمؤمنين، فآتنا بما تعدنا من العذاب، أي ما أنذرتنا به في أول دعوتك من عذاب يوم أليم.
فكان رد نوح عليه السلام على طلبهم للعذاب: (قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين): أي أن الإتيان بالعذاب ليس إليه، فما هو إلا رسول، إنما الإتيان به إلى الله سبحانه، لأنه تعالى هو الذي يملك أمرهم، ولقد وعدهم بالعذاب بأمره تعالى، لأن إليه مرجعهم كله، ولا يرجع إلى نوح من أمر التدبير شيئا، فالله سبحانه إن يشأ يأتيهم بالعذاب، وإن لم يشأ فلا (59).
2 - الدعاء المستجاب:
إن المجتمع الذي يصادر الحقائق ويستعبد العباد ويطلب العذاب، لا يمكن أن يقود قافلة إلى الهدى. لقد أعرضوا عن العبادة الحق، وقد دعاهم نوح عليه السلام إليها ليلا ونهارا من غير فتور ولا توان، فقابلوه بجعل أصابعهم في آذانهم وغطوا رؤوسهم ووجوههم بثيابهم لئلا يروا نوحا، واستكبروا عن قبول الدعوة استكبارا عجيبا، كما دعاهم عليه السلام سرا وعلانية، وطالبهم

(58) سورة هود، الآية: 32.
(59) الميزان: 215 / 10.
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»
الفهرست