الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٥٣
الكافرة على ما فهم نوح عليه السلام، وابنه الذي أبى ركوب السفينة وقوله تعالى: (ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) فكأنه قيل: أنهاك عن أصل تكليمي فيهم. فضلا عن أن تشفع لهم. فقد شملهم غضبي شمولا لا يدفعه دافع (67).
وبعد أن أوحى الله إليه بصنع السفينة وعلامة العذاب وهي فوران التنور، وبعد أن نهاه عن الشفاعة في الذين ظلموا قال تعالى: (فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين * وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين) (68) قال المفسرون: علمه أن يحمد الله بعد الاستواء على الفلك. على تنجيته تعالى من القوم الظالمين. وهذا بيان بعد بيان لكونهم هالكين مغرقين حتما. وأن يسأله أن ينجيه من الطوفان وينزله على الأرض إنزالا مباركا. ذا خير كثير ثابت. فإنه خير المنزلين (69).
4 - يوم الغضب:
وبدأ نوح عليه السلام في صناعة السفينة يقول تعالى: (ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون * فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم) (70) قال المفسرون: لم يقل عليه السلام إن تسخروا مني فإني أسخر منكم، وفي هذا إشارة إلى أن أهله وأتباعه كانوا يشاركونه في صنع السفينة، وكانت السخرية تتناولهم جميعا، وإن كانوا لم يذكروا في هزئهم إلا نوحا فقط، والطبع والعادة يقضيان أن يكونوا يسخرون من أتباعه أيضا. كما كانوا يسخرون منه، فهم أهل مجتمع واحد. تربط المعاشرة بعضهم ببعض. وإن كانت سخريتهم سخرية منه في الحقيقة. لأنه هو الأصل الذي تقوم به الدعوة ولذا قيل: (سخروا منه) ولم يقل: " سخروا منه ومن المؤمنين " وعندما سخر القوم من نوح وأتباعه قال لهم عليه السلام: إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم فنقول لكم: سوف تعلمون من

(67) الميزان: 30 / 15.
(68) سورة المؤمنون، الآيتان: 28 - 29.
(69) ا لميزان: 30 / 15.
(70) سورة هود، الآيتان: 38 - 39.
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»
الفهرست