يأتيه عذاب يخزيه؟ نحن أو أنتم؟ - والمراد به عذاب الاستئصال في الدنيا - ويحل عليه عذاب مقيم - أي ينزل عليه عذاب ثابت لازم لا يفارق. وهو عذاب النار في الآخرة (71).
لقد قذفهم بعذابين الأول موصوف بالخزي والثاني موصوف بالإقامة (72) قذفهم بالعذاب القادم لا محالة بعد أن تتابعوا عليه جماعة بعد جماعة، يسخرون منه لأنه يصنع الفلك على وجه الأرض من غير ماء. وكان عليه السلام يصنع الفلك على مرأى منهم وفي ممر عام. لقد كان الصنع بوحي من الله وكان في الصنع معجزة، ولكن القوم لم يجدوا في عالمهم وثقافتهم سوى السخرية والتحقير والانتقاص. وظلوا على هذا الحال. حتى جاء اليوم الأليم. وفار التنور. وبدأ نوح عليه السلام يحمل في السفينة من آمن به. وما آمن بالله مع نوح إلا قليل. وحمل عليه السلام معه من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين اثنين، وكان القوم يشاهدون حركة نوح والذين آمنوا معه في اتجاه السفينة. فلا تزيدهم الحركة إلا سخرية. فلم يكن الذين كفروا يعلمون ماذا يعني بالنسبة لهم فوران التنور. وما إن استقر الذين آمنوا مع نوح عليه السلام على ظهر السفينة.
حتى لاحت بوادر غضب الله على الذين كفروا. فالسماء بدأت تزمجر إعلانا ليوم الغضب. وانهمر الماء من كل مكان. يقول تعالى:
(ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر * وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر) (73) قال المفسرون: صبت السماء الماء صبا بلا قطر، صبا متواليا كأنه مدخر وراء باب مسدود ثم فتح هذا الباب، فانصب أشد ما يكون أما الأرض فجعلها عيونا متفجرة عن الماء. تجري جريانا متوافقا متتابعا. فالتقى ماء السماء مع ماء الأرض على أهداف محددة، تنفيذا لأمر قدره الله تعالى، من غير نقص ولا زيادة ولا عجل ولا مهل. وفي هذا الهول قال نوح عليه السلام:
(بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم) (74) قال المفسرون: قوله