الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٥٩
المفسرون: معناه والله أعلم. يا نوح انزل مع سلامة من العذاب - الطوفان - وبركات وخيرات نازلة منا عليك. أو انزل بتحية وبركات نازلة منا عليك. وعلى من معك من المؤمنين ومن سيظهر من نسلهم من الصالحين. وممن معك أمم أو هناك أمم سنمتعهم ثم نعذبهم وهم غير مأذون لهم في التصرف في أمتعة الحياة إذن كرامة وزلفى.. وهذا الخطاب الإلهي تلقاه نوح عليه السلام في وقت لا يوجد فيه متنفس على وجه الأرض من إنسان وحيوان. فقد أغرقوا جميعا. ولم يبق منهم إلا جماعة المؤمنين بالسفينة. وهؤلاء هم الذين قضى الله أن ينزلوا إلى الأرض فيعمرها ويعيشوا فيها إلى حين.
الخاتمة:
لقد كان الغرق شاملا وهناك أدلة تثبت أن الطوفان كان شاملا وعم الأرض كلها. ومنها أن الله تعالى أمر نوحا عليه السلام بأن يحمل من كل زوجين اثنين، فلو كان الطوفان في بقعة معينة. لم يكن في حاجة إلى أن يحمل في السفينة من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين، ودعوة نوح عليه السلام كانت دعوة عامة، ولقد قام عليه السلام بالتحرك في المجتمعات البشرية قلت أو كثرت على امتداد دعوته، وعموم الدعوة يقضي بعموم العذاب، لهذا قال في دعائه: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) فالطائفة التي نزلت عند الجودي وهو جبل قيل إنه بديار نكر من الموصل. وقيل إنه شرقي دجلة على جزيرة ابن عمر. هذه الطائفة هي البذرة الأولى للمسيرة البشرية بعد الطوفان. وإلى هذه النواة ينتهي نسل البشر اليوم.
لقد شاء الله أن يجعل اليوم الأليم فاتحة لاستقرار طائفة المؤمنين على الأرض، لترى البشرية على امتداد مسيرها أن أول لبنة في ماضيها من طين وماء، فأما الطين فباطنه عذاب خزي وعذاب أليم. وأما الماء فعلى صفحته جرت سفينة ذات ألواح ودسر وعلى ظهرها المتقين، لقد جعل الله العذاب الأليم بداية. كي تنظر الأمم في البدايات لتعتبر يقول تعالى: (فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين) (88) قال المفسرون: الضمير للواقعة أو النجاة.

(88) سورة العنكبوت، الآية: 15.
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 63 64 65 ... » »»
الفهرست