بالاستغفار، لكنهم عصوه. وعلى امتداد الدعوة رموا نوحا عليه السلام بالضلال وبالجنون وهددوه بالرجم. فلم يخرجه ذلك عن حلمه، ولم يرد عليهم إلا بما تمليه أخلاق النبوة، ونوح عليه السلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما.
وعلى امتداد هذه المدة كان يدعوهم إلى الله، وفي النهاية لم يركب معه في السفينة كما في رواية صحيحة سوى ثمانون رجلا معهم أهلوهم. وفي هذا إشارة إلى أنه عليه السلام قاسى من قومه الكثير، فالذين كان يدعوهم وهم شباب كانوا يقودون حركة الضد عن سبيل الله وهم شيوخ. وذلك لأن ثقافة التوثين كان يسهر عليها الأقوياء وهذه الثقافة حاصرت بقوتها وزينتها وزخرفها الأهواء المتعددة، فهرول كل صاحب هوى إلى هواه، مصادرا كل نداء للفطرة، وكل دعوة تدعوه للنظر والتدبر في الكون.
ونوح عليه السلام دعا على قومه ولكنه لم يدع عليهم إلا بعد أن تبين أنهم ركبوا طريق الكفر الذي لا عودة فيه، فعندما تبين هذا (قال رب إن قومي كذبون * فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين) (60) قال المفسرون: هذا استفتاح منه عليه السلام. وقدم له قوله: (رب إن قومي كذبون) أي تحقق منهم التكذيب المطلق. الذي لا مطمع في تصديقهم بعده.
وقوله: (فافتح بيني وبينهم فتحا) كأنه وأتباعه والكفار من قومه قد اختلطوا في مكان واحد، فسأل ربه أن يفتح بينهم بإيجاد فسحة بينه وبين قومه، يبتعد بذلك أحد القبيلين عن الآخر وذلك كناية عن نزول العذاب، ولا يهلك إلا الفاسق الفاجر الكفار، وعندما طلب عليه السلام من ربه أن ينصره ويفرق بينه وبين القوم الظالمين؟ أوحى إليه ربه: (وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) (61) وعندما أوحى الله تعالى بهذا إلى نوح.
دعا عليه السلام على قومه الدعاء القاصم. قال المفسرون: يستفاد من قوله تعالى: (إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن...) أن عذاب الاستئصال لا يضرب الكفار ما كان الإيمان مرجوا منهم، فإذا ثبتت فيهم ملكة الكفر ورجس الشرك، حق عليهم كلمة العذاب، كما يستفاد أن دعاء نوح عليه السلام: