الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٤٤
1 - إثبات الرسالة:
لقد رفضوا الرسول البشر وقالوا: (ولو شاء الله لأنزل ملائكة) (43) فكانت حجته عليه السلام: (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) (44) قال المفسرون: كان سندهم في نفي الرسالة أنه بشر، لا أثر ظاهر معه يدل، على الرسالة والاتصال بالغيب. فكان عليه أن يظهر ما يفيد صدقه في دعوى الرسالة.
وهي الآية المعجزة الدالة على صدق الرسول. في دعوى الرسالة. لأن الرسالة نوع من الاتصال بالغيب خارق للعادة الجارية. لا طريق إلى العلم بتحققه، إلا بوقوع أمر غيبي آخر خارق للعادة، يوقن به كون الرسول صادقا في دعواه الرسالة، ولذلك أشار عليه السلام بقوله: (يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي) إلى أن معه بينة من الله وآية معجزة تدل على صدقه في دعواه. وقوله:
(وآتاني رحمة من عنده) يشير به إلى ما آتاه الله تعالى من الكتاب والعلم، وقد تكرر في القرآن الكريم تسمية الكتاب وكذا تسمية العلم بالله وآياته رحمة (45).
أما قوله: (فعميت عليكم) المراد منه: أن ما عندي من العلم والمعرفة أخفاها عليكم جهلكم وكراهتكم للحق. بعد ما ذكرتكم به وبثثته فيكم. وقوله:
(أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) المراد إلزامهم الرحمة وهم لها كارهون.
والمعنى - والله أعلم - أخبروني إن كانت عندي آية معجزة تصدق رسالتي مع كوني بشر مثلكم، وكانت عندي ما تحتاج إليه الرسالة. من كتاب وعلم يهديكم إلى الحق، لكن لم يلبث دون أن أخفاه عليكم عنادكم واستكباركم..
أيجب علينا عندئذ أن نجبركم عليها؟ أي عندي جميع ما يحتاج إليه رسول من الله في رسالته، وقد أوقفتكم عليه. لكنكم لا تؤمنون به. طغيانا واستكبارا. وليس علي أن أجبركم عليها. إذ لا إجبار في دين الله سبحانه...

(43) سورة المؤمنون، الآية: 24.
(44) سورة هود، الآية: 28.
(45) قال تعالى: (ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة) سورة هود، الآية: 17، وقال تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة) سورة النحل، الآية:
89، وقال تعالى: (فوجد عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا) سورة الكهف، الآية: 65.
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»
الفهرست