الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٥٨
بخمسة عشر ذراعا (83). وكانت السفينة جارية على وجه الماء، سائرة بإذن الله وتحت كنفه وعنايته وحراسته، وروي أن السفينة سارت على وجه الماء بنوح وأتباعه مائة وخمسون يوما (84) وبعد أن غاب وجه الظلم تحت الماء في أعماق الطين. جاء أمر الله (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين) (85). (قيل) إن النداء نداء العظمة. والقائل هو الله. والأمر تحمله كلمة (كن) والأمر يترتب عليه من غير فصل. أن تبتلع الأرض. ما على وجهها من الماء وأن تكف السماء عن أمطارها.
وفي قوله تعالى: (وغيض الماء) لم يذكر الأرض. وفي قوله:
(واستوت على الجودي) لم يذكر السفينة. وفي قوله: (بعدا للقوم الظالمين) لم يقل بأنهم الظالمين من قوم نوح. إنها العظمة. ومن أراد أسماء النتائج فعليه بالمقدمات. وفي المقدمة قوم ظالمون وعدهم الله بالغرق. وبما أن هناك غرق ونجاة فلا بد من سفينة وماء. وعلى هذا فلو غيض الماء. فإنما تغيضه الأرض ولو استقر شئ واستوى، فإنما هي السفينة، وإذا قيل بعدا للقوم الظالمين، فإن القائل هو الله. والقوم هم المقضي عليهم بالعذاب، ولو قيل:
قضي الأمر. فإنما القاضي هو الله. والأمر هو ما نهى عنه نوح في مخاطبته في الذين ظلموا. وروي أن السفينة استقرت بهم على الجودي شهر (86) والماء من حولها يذهب شيئا فشيئا بعد أن طهر الأرض من الذين وضعوا بذرة استعباد الإنسان لأخيه الإنسان ودونوا لهذا الاستعباد فقهاء عريضا ذو ثقافة واسعة هدفها تحقير الإنسان وانتقاصه لصالح الأهداف الشيطانية.
وبعد أن غيض الماء يقول تعالى: (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم) (87) قال

(٨٣) ابن كثير: ٤٤٦ / ٢.
(٨٤) البداية والنهاية ١١٦ / ١.
(٨٥) سورة هود، الآية: ٤٤.
(٨٦) البداية والنهاية: ١١٦ / 1.
(87) سورة هود، الآية: 48.
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 63 64 ... » »»
الفهرست