(رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) (62) كان واقعا بعد وحي الله له (أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) وذلك لأنه لا سبيل إلى العلم بعدم إيمان الكفار في المستقبل إلا عن طريق الوحي، فهو عليه السلام. علم أولا من وحيه تعالى إليه أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، وأن أحدا منهم لا يؤمن بعد ذلك ولا في نسلهم من سيؤمن بالله، ثم دعا عليهم بالعذاب، وذكر في دعائه ما أوحي إليه (63).
دعا نوح عليه السلام ربه بعد أن أصبح القوم لا فائدة في بقائهم. لأنهم أولا يضلون المؤمنين ولأنهم ثانيا لا فائدة فيهم لمن يلدونه من الأولاد، فهم لا يلدون إلا فاجرا كفارا، والفجور هو الفسق الشديد، والكفار هو الذي يبالغ في الكفر، واستجاب تعالى دعوته، وأمره سبحانه بصنع السفينة وأخبره أنهم مغرقون.
3 - أوامر النجاة:
أوحى الله تعالى إلى نوح عليه السلام: (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) (64) قال المفسرون والمعنى. واصنع السفينة تحت مراقبتنا الكاملة وتعليمنا إياك، ولا تسألني صرف العذاب عن هؤلاء الذين ظلموا، فإنهم مقضي عليهم الغرق، قضاء حتم لا مرد له (65). وأوحى الله تعالى إليه: (فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) (66) قال المفسرون: السياق يشهد على كون فوران التنور بالماء، أمارة نزول العذاب عليهم. وفوران الماء من التنور وهو محل النار من عجيب الأمر. ثم أمره تعالى بأن يدخل في الفلك زوجين اثنين: ذكر وأنثى من كل نوع من الحيوان. وأهله والظاهر أنهم أهل بيته والمؤمنون به، والمراد بمن سبق عليه القول فمنهم امرأته