الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٤٣
والثاني: قولهم: (ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي).
والثالث: قولهم: (وما نرى لكم علينا من فضل) وانتهى القوم إلى حكم قالوا فيه: (بل نظنكم كاذبين) وهو حكم يحتوي في مضمونه أن الدعوة ما سلكت هذا الطريق إلا لهدف واحد. هو السيطرة على المال والثروات والحكم! فماذا كان رد نوح عليه السلام على هذه الصدود الثلاث؟ وعلى هذا الحكم الذي ترتب على هذه الصدود؟ لقد كان رد نوح عليه السلام ردا شافيا كافيا، وجاء ذلك في قول الله تعالى:
(قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ري وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون * ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون * ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون * ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين) (42).
قال المفسرون: لما كانت حجتهم مبنية على الحس ونفي ما وراءه، وقد استنتجوا من حجتهم عدم الدليل على وجوب طاعته واتباعه. أجابهم عليه السلام: بإثبات ما حاولوا نفيه من رسالته وما يتبعه، ونفي ما حاولوا إثباته.
باتهامه واتهام أتباعه بالكذب، غير أنه عليه السلام استعطفهم بقوله: " يا قوم " مرة بعد مرة ليجلبهم إليه. فيقع نصحه موقع القبول منهم. وقد أبدعت الآيات الكريمة في تقرير حجته عليه السلام في جوابهم فقطعت حجتهم فصلا فصلا.
فقوله: (يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة...) جواب على قولهم: (ما نراك إلا بشر مثلنا) وقوله: (يا قوم لا أسألكم عليه مالا...) جواب عما اتهموه به من الكذب ولازمه أن تكون دعوته طريقا إلى جلب أموالهم لأنه يريد أن يتفضل عليهم. وقوله: (وما أنا بطارد الذين آمنوا...) جواب عن قولهم: (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا...) وقوله: (ولا أقول لكم عندي خزائن الله) جواب عن قولهم: (ولا نرى لكم علينا من فضل).

(42) سورة هود، الآيات: 28 - 31.
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»
الفهرست