الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٦٦
يخلق مثلها في البلاد) (8) ذكر ابن كثير البغوي: أن هؤلاء هم عاد الأولى. وإرم اسم قبيلة أو بلدة كانت عاد تسكنها. وكانوا يسكنون بيوت الشعر التي ترفع بالأعمدة الشداد. كما أنهم بنوا عمدا بالأحقاف لم يخلق مثلها في البلاد، وعاد الأولى دمرها الله تعالى لتكون عبرة لعاد التي بعث الله تعالى إليها هودا عليه السلام، ولكن أهل الأحقاف لم يعتبروا، وشيدوا حضارتهم بروح حضارة عاد الأولى، فأقاموا المصانع التي تنحت الأحجار وشيدوا القصور والقلاع على الأرض، ورفعوا فوق كل مرتفع من الأرض مأوى يحمي الناس من عوامل الطبيعة، ومع هذه الأخلاق الحديدية ظهرت الثقافة الحديدية التي تنطلق من منطق القوة، واستكبرت عاد في الأرض استكبارا لا حدود له... يقول تعالى:
(فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة؟ أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون) (9) لقد بغوا وعتوا وعصوا. ولأنهم بلوا بشدة تركيبهم وقواهم اعتقدوا أنهم يمتنعون بها من بأس الله (10) ومع عقيدة كهذه وثقافة كهذه، تشنق الخيول المشلولة بلا أي جريرة.
وتحت فقه الغطرسة الذي دونته عاد يكون السب والطعن وشتى الإهانات من نصيب كل من يحمل بين جنباته فطرة نقية سليمة، فعاد شيدت الحصون على الأرض وفوق المرتفعات، ووفقا لفقه (من أشد منا قوة) الذي دونه الفقهاء الذين كانوا بآيات الله يجحدون. انطلقت عاد وراء الخلود خوفا من الموت. وأعلام الخلود والأماني والآمال العريضة يحملها الشيطان. بربط الناس بالدنيا وهو من أجل هذا الهدف لا يترك طريقا إلى الأهواء إلا زينه وزخرفه. ومن عالم الزينة تخرج الأقوال التي ما إن تسمعها الآذان حتى تنصت لها، وتتحرك الأشياء التي ما إن تراها العيون حتى تحتضنها، إن عالم عاد هو عالم كفران النعمة ونكران المنعم، الذي يستهان فيه بالقتل ولا يقام فيه للفضيلة أي وزن! وعاد أمسكت بذيل كفار قوم نوح عندما رفضوا بشرية الرسول (قالوا لو شاء الله ربنا لأنزل ملائكة) (11) ورفض الرسول البشر، غرس شيطاني يضمن به عدم قبول أكثر

(8) سورة الفجر، الآيتان: 6 - 7.
(9) سورة فصلت، الآية: 15.
(10) ابن كثير 94 / 4.
(11) سورة فصلت، الآية: 14.
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»
الفهرست