الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٩٨
فلم يلحقوا بالدعوة في عهد النبوة أي ضرر. ولم يستطيعوا النيل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رغم محاولاتهم العديدة لقضاء عليه. لم يستطيعوا هم أو غيرهم. لأن الله تعالى عصم رسوله منهم قال سبحانه: (والله يعصمك من الناس) (257) وتحدى سبحانه الناس أن يكيدوا لرسول الله وأن يضروه إن استطاعوا ولن يستطيعوا فقال جل شأنه: (قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون) (258) لقد كانت عصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجة بذاتها على أجهزة الكيد التي تخدم خطوط الانجراف. فشلهم في كل مرة كان في حقيقة الأمر دعوة للتوبة والإيمان بالرسالة. ولكن أهل التذبذب والنفاق لم يلتفتوا إلى هذه الحقيقة وتمادوا في طغيانهم ومكائدهم و سبحوا في التجاه المضاد لحركة الفطرة والكون. وهذه السباحة وهذا التوغل في الظلام جعلهم غرضا لضربات الكون.
وهذه الضربات كانت أيضا دعوة لهم كي يؤمنوا الإيمان الحق لكنهم لم يصححوا مسارهم نحو الاتجاه الصحيح يقول تعالى: (أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون) (259) قال المفسرون: اختلف أهل التأويل في معنى الفتنة التي ذكر الله في هذا الموضع. فقال بعضهم: ذلك اختبار الله إياهم بالقحط والشدة. وقال آخرون: بالسنة والجوع (260) ومعنى الآية: أي ما لهم لا يتفكرون ولا يعتبرون. وهم يرون أنهم يبتلون ويمتحنون كل عام مرة أو مرتين. فيعصون الله ولا يخرجون من عهدة المحنة الإلهية وهم لا يتوبون ولا يتذكرون. ولو تفكروا في ذلك انتبهوا لواجب أمرهم. وأيقنوا أن الاستمرار على هذا الشأن ينتهي بهم إلى تراكم الرجس على الرجس والهلاك الدائم والخسران المؤبد (261).
وطابور النفاق الذي خرج من معسكر الانحراف ليسير بين المسلمين.

(257) سورة المائدة، الآية: 67.
(258) سورة الأعراف، الآية: 195.
(259) سورة التوبة، الآية: 126.
(260) ابن جرير: 54 / 11.
(261) الميزان: 410 / 9.
(٣٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 ... » »»
الفهرست