جاهدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفقا لحركة الدعوة. فهو عليه الصلاة السلام كان يخشى أن يخرج معسكر الكفر بلافتات تقول بأن محمد يقتل أصحابه. فهذا القول في حد ذاته لن يكون بحال في صالح الدعوة وعلى الأخص في صدرها الأول. فالرسول جاهدهم وفقا لأمر الله تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) (262) وقال المفسرون: المراد بجهادهم مطلق ما تقتضيه المصلحة من بذل غاية الجهد في مقاومتهم. فإن اقتضت المصلحة هجروا ولم يخالطوا ولم يعاشروا وإن اقتضت وعظوا باللسان وإن اقتضت أخرجوا وشردوا إلى غير الأرض (263).
والخلاصة: أن معسكر النفاق كان من أكبر الأخطار على الدعوة وعلى الفطرة الإنسانية. وتوعدهم الله تعالى بالعذاب في الدنيا وبالدرك الأسفل من النار في الآخرة. وهذا المعسكر سيكون لأبنائه الذين ساروا على طريقه وراء راية المسيح الدجال. الذي أخبرت الأحاديث الشريفة بظهوره آخر الزمان. وتحت قيادة الدجال سيتجرعون الذل تحت ضربات عذاب الاستئصال. لأنهم في الحقيقة تلاميذ الشيطان الذين يضعون العراقيل على الصراط المستقيم.
سادسا: عذاب في بطن الغيب: في عهد الرسالة الخاتمة عمل طابور النفاق في الخفاء. وتوارى أهل الكفر وراء الجدر في انتظار الوقت المناسب الذي ينقضون فيه على طلائع النهار.
وعلى الرغم من ذلك لم يضربهم الله بالطوفان أو بالريح العقيم أو بالصيحة. كما ضرب سبحانه الأمم السابقة من قبل. وذلك لأن القافلة البشرية لها أجل. وهذا الأجل لا ينتهي بانتهاء حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. فرسول الله قام بتبليغ الرسالة عن ربه. وهذه الرسالة صالحة لقيادة القافلة البشرية حتى قيام الساعة. ومعنى أن العذاب لم يضرب جحافل الكفر ضربة الاستئصال في حياة الرسول. أن هذا العذاب مدخر في بطن الغيب. وله صورته وموعده ولا يعلمهما