إلى طابور النفاق كي يتعامل مع الدنيا على اعتبار أنها قنطرة إلى الآخرة. وعلى هذا لا بد لمن يأكل أن يأكل بشرف ولمن يأخذ أن يأخذ بشرف. ولكن طابور النفاق في مجمله لم يتذوق هذه المعاني السامية وأضمر في أعماقه جوعا وحقدا وانتقاما. ومارس عمليات الحفر لينتج في النهاية حفرا عديدة إذا وضعت بذرة في إحداها لا تنبت إلا مسخا وغثاء. وفي جميع الحالات النتيجة لصالح مراقب بني إسرائيل على طريق الطمس الذي يؤدي إلى نبي اليهود المنتظر والذي يسميه الإسلام بالمسيح الدجال. ويرى الباحث في السيرة النبوية أن طابور النفاق بعد فتح مكة نشطت خطواته. ويبدو هذا في أحداث غزوة حنين وغزوة تبوك والمسجد الضرار وكلها بعد فتح مكة.
ثامنا: من تعاليم النجاة:
على امتداد بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. كان الوحي يرشد إلى صراط الله ويقيم الحجة على عباد الله. ويوم فتح مكة هدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنيان دين الشرك وكسر الأصنام ليجعل بذلك العقل والوجدان في حرية تامة كي يختارا العقيدة التي ترتضيها الفطرة. وأمام الفطرة وضعت الشرائع التي تبث الأمن والأمان وتعلن يأس الكفار من النيل من هذا الدين. وتدعو الفطرة أن لا موجب للخشية بعد يأس هؤلاء. وأن عليها أن تخشى الله الذي بيده مصير الأمور قال تعالى:! اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون) (280) قال المفسرون: أي بأن دين المسلمين في أمن من جهة الكفار مصون من الخطر المتوجه من قبلهم. وأنه لا يتسرب إليه شئ من طوارق الفساد والهلاك إلا من قبل المسلمين أنفسهم. وأن ذلك إنما يكون بكفرهم بهذه النعمة التامة. ورفضهم هذا الدين الكامل المرضي. ويومئذ يسلبهم الله نعمته وبغيرها إلى النقمة ويذيقهم لباس الجوع والخوف. ومن أراد الوقوف على مبلغ صدق هذه الآية من قوله:! فلا تخشوهم واخشون، فعليه أن يتأمل فيما استقر عليه حال العالم الإسلامي اليوم. ثم يرجع القهقري بتحليل الحوادث التاريخية حتى يحصل، على أصول القضايا وأعراقها.