الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٢٩
وقوله: (وأن أتلوا القرآن فمن اهتدى فإننا يهتدي لنفسه) أي أمرت أن أقرأ القرآن عليكم. فمن اهتدى بهذا القرآن فالذي ينتفع به هو نفسه، ولا يعود نفعه إلي. ومن لم يهتد به بالإعراض عن ذكر ربه. وهو الضلال. فعليه ضلاله ووبال كفره لا علي. لأني لست إلا نذرا مأمورا بذلك ولست عليه بوكيل والله هو الوكيل عليه (66). وأمام معسكر الانحراف تلى الرسول الأعظم قول الله تعالى:
" وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير " (67) قال المفسرون، أي آمنت بالكتب السماوية التي نزلها الله على رسله. وأمرت أن أعدل بينكم أي أسوي بينكم. فلا أقدم قويا على ضعيف ولا غني على فقير ولا كبير على صغير ولا أفضل أبيض على أسود ولا عربي على عجمي ولا هاشميا أو قرشيا على غيره، فالدعوة متوجهة إلى الجميع والناس قبال الشرع الإلهي سواء.
فقوله: (آمنت بما أنزل الله من كتاب) تسوية بين الكتب المنزلة من حيث الإيمان بها وقوله: (وأمرت لأعدل بينكم) تسوية بين الناس من حيث الدعوة وما جاء به الشرع وقوله: (الله ربنا وربكم) يشير إلى أن رب الكل هو الله الواحد تعالى وفليس لهم أرباب كثيرون حتى يلحق كل بربه ويتفاضلوا بالأرباب، بل الله هو رب الجميع، وهم جميعا عباده المملوكون له المدبرون بأمره وقوله: (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) يشير إلى أن الأعمال وإن اختلفت من حيث كونها حسنة أو سيئة ومن حيث الجزاء. ثوابا أو عقابا إلا أنها لا تتعدى عاملها. فلكل امرئ ما عمل. فلا ينتفع أحد بعمل آخر. ولا يتضرر بعمل غيره وقوله: (لا حجة بيننا وبينكم) أي لا خصومة بيننا وبينكم بتفاوت الدرجات.
لأن ربنا واحد. ونحن لأننا جميعا عباده ولكل نفس ما عملت، فلا حجة في البين. أي لا خصومة حتى نتخذ لها حجة (68).
هذا هو شرع النبي الأعظم الذي أذاع معسكر الانحراف على الغوغاء والرعاع على امتداد الزمان أنه بدأ بالسيف وكان القهر عنوانه، هذا هو محمد

(66) الميزان: 404 / 15.
(67) سورة الشورى، الآية: 15.
(68) الميزان: 34 / 18.
(٣٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 334 ... » »»
الفهرست