الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٧٩
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) (65) قال المفسرون: أمر الله نبيه أن يتلو على بني إسرائيل أو على الناس خبرا عن أمر عظيم، وهو نبأ الرجل الذي آتاه الله آياته، وكشف لباطنه عن علائم وآثار إلهية عظام، يرى بها حقيقة الأمور، فانسلخ منها ورفضها (فاتبعه الشيطان) استحوذ عليه وعلى أمره فمهما أمره امتثل وأطاعه، فكان من الهالكين الحائرين البائرين، ولو شاء الله لرفعه من قاذورات الدنيا بالآيات العظيمة التي آتاه إياها.
ولكنه أخذ بأسباب التدنس ومال إلى زينة الحياة الدنيا وأقبل على لذاتها ونعيمها.
واتبع هواه وكان ذلك موردا الإضلال الله له، لا لهدايته. وهذا الرجل مثله كمثل الكلب، إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث. فهو ذو هذه السجية لا يتركها سواء زجرته ومنعته أو تركته (ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا) فالتكذيب منهم سجية وهيئة نفسانية خبيثة لازمة. فلا تزال آيات الله تتكرر على حواسهم.
ويتكرر التكذيب بها منهم (فاقصص القصص) أي قص القصة (لعلهم يتفكرون) فينقادوا للحق وينزعوا عن الباطل.
لقد كان صاحب النبأ معه آيات باهرات، لكنه أخذ بأسباب الزينة التي تشبع الأهواء، فكان مصيره النار. لقد كان يحمل آيات باهرات، لكنه لم يستعمل قلبه وبصره وأذنه فيما ينفعه ويحقق له السعادة الدائمة الحقيقية والله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وآله أن يقص القصة لعل بني إسرائيل العالمين بحال صاحب النبأ وما جرى له بسبب استعماله نعمة الله في غير طاعة الله، لعلهم عندما يذكرهم النبي صلى الله عليه وآله بالقصة يتفكرون ليحذروا أن يكونوا مثله، وهم بما أنهم أهل كتاب، قد أعطاهم الله علما ميزهم به على من عداهم من الأعراب. وبصرف النظر عن تحريفهم لكتابهم، إلا أن هذا الكتاب كان يحتوي بين دفتيه على آية عظيمة. إذا كفروا بها كان شأنهم كشأن صاحب النبأ الذي ترك الآيات وجلس بجوار الذهب والفضة. وهذه الآية التي في كتابهم خاصة بنبي الله

(65) سورة الأعراف، الآيتان: 175 - 176.
(٢٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 ... » »»
الفهرست