الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٨٢
كذلك نبلو هم بما كانوا يفسقون * وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون * فلما نسوا ما ذكر وا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون * فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين) (69).
قال المفسرون: " انقسم أهل القرية في أمر الله ثلاث فرق. فرقة ارتكبت ما نهى الله عنه. وفرقة نهت عن ذلك واعتزلت. وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه، وقالت للفرقة التي نهت واعتزلت: لم تنهون هؤلاء وقد علمتم أنهم قد هلكوا واستحقوا العقوبة من ذلك. فلا فائدة في نهيكم إياهم. فقالوا. (معذرة إلى ربكم) أي فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لعلهم بهذا الانكار يتقون " (70). وفي قولهم: (إلى ربكم) حيث أضافوا الرب إلى الفريق الذي يلومهم ولم يقولوا: إلى ربنا.. إشارة إلى أن التكليف بالعظة ليس مختصا بنا بل أنتم أيضا مثلنا يجب عليكم أن تعظوهم. لأن ربكم لمكان ربوبيته يجب أن يعتذر إليه. ويبذل الجهد في فراغ الذمة من تكاليفه والوظائف التي أحالها إلى عباده. وأنتم عباد له كما نحن عباده، فعليكم من التكاليف ما هو علينا (فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء) وفيه دلالة على أن اللائمين كانوا مشاركين للعادين أي للفرقة التي ارتكبت ما نهى الله عنه. في ظلمهم وفسقهم حيث تركوا عظتهم ولم يهجروهم. وفي الآية دلالة على سنة إلهية عامة. وهي أن عدم ردع الظالمين عن ظلمهم بمنع وعظة، مشاركة معهم في ظلمهم. وأن الأخذ الإلهي الشديد، كما يترصد الظالمين كذلك يرصد مشاركيهم في ظلمهم (71).
لقد ضرب العذاب الظالم المعتدي والظالم الذي سكت. وفي الحديث كانوا أثلاثا: ثلث نهوا، وثلث قالوا: (لم تعظون) وثلث أصحاب الخطيئة.
فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم (72) وقال تعالى للذين عتوا عن أمره:

(69) سورة الأعراف، الآيات: 163 - 166.
(70) ابن كثير: 257 / 2.
(71) الميزان: 296 / 8.
(72) رواه ابن عباس وقال ابن كثير إسناده جيد: 259 / 2.
(٢٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 ... » »»
الفهرست