الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٧٦
الانحراف فلم يشكرا النعمة والمنعم. فأخذ هما الله أخذ عزيز مقتدر. فلم يغن عن الأول كنوزه. ولم يقو الثاني على حماية نفسه. لقد كانت آيات الله في المال والعلم زاجرا لبني إسرائيل، لكن الذئاب منهم شقوا مسيرهم نحو الكنوز ونجو دروب التحريف وأكل أموال الناس بالباطل!
1 - عبرة قارون:
كان قارون من بني إسرائيل، وآتاه الله من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة القوة، فظن أنه هو الذي جمعه بعلمه وجودة فكره وحسن تدبيره!
وأمن العذاب الإلهي، وآثر الحياة الدنيا على الآخرة، وبغى الفساد في الأرض. يقول تعالى: (إذ. قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين * وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) (55) قال المفسرون:
وعظوه أن لا يبطر بما هو فيه من مال. وأن يشكر الله على ما أعطاه وأن يطلب فيما أعطاه الله من مال الدنيا تعمير الدار الآخرة بإنفاقه في سبيل الله، ووضعه فيما فيه مرضاته تعالى، وقالوا له: لا تنس أن نصيبك من الدنيا - وقد أقبلت عليك - شئ قليل مما أوتيت، وهوما تأكله وتشربه وتلبسه مثلا، والباقي فضل ستتركه لغيرك.
فخذ منها ما يكفيك (وأحسن كما أحسن الله إليك) أي أنفقه لغيرك إحسانا، كما آتاكه الله إحسانا، ولا تطلب الفساد في الأرض بالاستعانة بما آتاك الله من مال وما اكتسبت به من جاه وحشمة. إن الله لا يحب المفسدين لبناء الخلقة على الصلاح والإصلاح (56) فماذا كان رد قارون على العظة؟ قال تعالى: (قال إنما أوتيته على علم عندي) (57) قال المفسرون: أجاب بنفي كونه إنما أوتيه إحسانا من غير استحقاق.. لقد ادعى إنما أوتيه على استحقاق بما عنده من العلم بطرق اقتناء المال وتدبيره. وبما أن هذا باستحقاق فقد استقل بما عنده وله أن يفعل فيما اقتناه من المال بما شاء ويستدره في أنواع التنعم وبسط السلطة والعلو والبلوغ إلى الآمال والأماني.

(55) سورة القص، الآيتان: 76 - 77.
(56) الميزان: 76 / 16، ابن كثير: 399 / 3.
(57) سورة القصص، الآية: 78.
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»
الفهرست