الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٤٦
توبة بعد رؤية البأس (225) لهذا قال الله تعالى في جواب فرعون حين قال ما قال:
(آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) (226) قال المفسرون: آلآن:
أي أتؤمن بالله الآن وهو حين أدركك العذاب ولا إيمان وتوبة حين غشيان العذاب ومجئ الموت من كل مكان، وقد عصيت قبل هذا وكنت من المفسدين، وأفنيت أيامك في معصيته. ولم تقدم التوبة لوقتها. فماذا ينفعك الإيمان بعد فوت وقته. وهذا هو الذي كان موسى وهارون سألاه ربهما. أن يأخذه بعذاب أليم ويسد سبيله إلى الإيمان. إلا حين يغشاه العذاب فلا ينفعه الإيمان ولا تغني عنه التوبة شيئا (227).
إن التجارة لها ميدانها، وحساب الربح والخسارة له موائده، أما التجارة في العقيدة والبيع والشراء في آيات الله فكل هذه جرائم لا يفلت مرتكبها من تحت السماء! ولقد تاجر فرعون في حياته بكل شئ، وعندما ضربه الموج لم يجد في جعبته إلا أوراق الإيمان والإسلام، ولكن هيهات هيهات، لقد امتلأت بزته الحربية بالماء وغاصت به في الأوحال، وبعد حين دفعه الموج إلى الضفة التي بلغها يوما وهو مزهو بالنصر، بعد أن راوده الأمل في اللحوق بموسى، لقد قذف به البحر إلى الشاطئ ليكون عبرة لنهاية طريق. وهو الذي التقط يوما صندوقا قذف به البحر إلى الشاطئ ليكون الذي بداخله آية لجميع الظالمين: (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين) (228) لقد قذف اليم في أول الرحلة صندوقا به موسى. وقذف اليم في آخر الرحلة الفرعون! قذفه لهدف ومن وراء هذا الهدف حكمة، فبعد مصرع الفرعون قال تعالى: (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون) (229) قال المفسرون: لم يقل سبحانه: (ننجيك) وإنما قال: (ننجيك ببدنك) ومعناه ننجي بدنك. وتنجيته ببدنه تدل على أن له أمرا آخر وراء البدن، فقده بدنه بغشيان العذاب وهو النفس التي تسمى أيضا

(225) الميزان: 357 / 17، ابن كثير: 430 / 2.
(226) سورة يونس، الآية: 91.
(227) الميزان: 118 / 10.
(228) سورة القصص، الآية: 8.
(229) سورة يونس، الآية: 92.
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»
الفهرست