الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٤٩
وفرعون دليل القوم في الدنيا.. هو نفسه سيكون دليل أتباعه يوم القيامة يقول تعالى: (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود * وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود) (237) قال المفسرون:
يقدم قومه: فإنهم اتبعوا أمره. فكان إماما لهم من أئمة الضلال. (فأوردهم النار) أي يقدمهم فيوردهم النار (وبئس الورد المورود) والورد هو الماء الذي يرده العطاش من الحيوان والإنسان للشرب. والورود أصله قصد الماء، وقد يستعمل في غيره، وفي هذا استعارة لطيفة، بتشبيه الغاية التي يقصدها الإنسان في الحياة لمساعيه المبذولة، بالماء الذي يقصده العطشان، وسعادة الإنسان الأخيرة هي رضوان الله والجنة. لكن قوم فرعون لما غووا باتباع أمر فرعون، وأخطأوا سبيل السعادة الحقيقية، تبدلت غايتهم إلى النار، فكانت النار هي الورد الذي يردونه، وبئس الورد المورود، لأن الورد هو الذي يجمد لهيب الصدر ويروي العطشان، فإذا تبدل إلى عذاب النار. فبئس الورد المورود (وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود) أي هم اتبعوا أمر فرعون. فأتبعتهم لعنة من الله في هذه الدنيا، وإبعاد من رحمته وطرد من ساحة قربه، وبئس الرفد رفدهم يوم القيامة، وهو النار التي يسجرون فيها (238).
والنار التي وعد الله بها فرعون ومن اتبعه يوم القيامة. لن تكون بعيدة عنهم قبل يوم القيامة، فهم يعرضون عليها في عالم البرزخ جزاء لهم لما قدمته أيديهم وخطته على جبين الرحلة البشرية. يقول تعالى: (وحاق بآل فرعون سوء العذاب * النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب * وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار * قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد) (239) قال المفسرون: الآية صريحة أولا في أن هناك عرضا على النار، ثم إدخالا فيها، والإدخال أشد من العرض. وثانيا في أن العرض على النار قبل قيام الساعة التي فيها الإدخال وهو عذاب البرزخ - عالم متوسط بين

(237) سورة هود، الآيتان: 98 - 99.
(238) الميزان: 382 / 10.
(239) سورة غافر، الآيات: 45 - 48.
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 253 255 256 ... » »»
الفهرست