الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٤٥
في أفواههم القذرة. يقول تعالى في نهايتهم: (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) (220) قال المفسرون: بكاء السماء والأرض على شئ فائت، كناية تخيلية عن تأثرهما عن قوته وفقده، فعدم بكائهما عليهم بعد إهلاكهم، كناية عن هوان أمرهم على الله. وعدم تأثير هلاكهم في شئ من أجزاء الكون (221) وقيل: لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا الله تعالى فيها (222).
* مقتل الفرعون:
لقد كان لكل مستكبر قصة وهو يصارع الغرق، ولكن القرآن تخطى الفراعنة الصغار فلم يصف حالهم مع الموج، لأنهم صغار أتباع لكل ناعق! أما فرعون فلقد وقف عنده القرآن ليصف موقفه مع الغرق في مشهد وحركة، ففرعون هو صاحب التاج الأكبر والجوزة الأعظم! وهو مؤسس فقه الإستحواز ومؤصل عقدة الامتلاك، وهو سيد كل طريق مسدود يبصر فيه بالجنود ويبصر بالعبيد ولا يدخل إليه إلا كل محني الظهر. يقول تعالى في مشهد فرعون وهو يصارع الأمواج: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال أمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) (223) يقول المفسرون: أي آمنت بأنه - وقد وصف الله - بالذي آمنت به بنو إسرائيل. ليظفر بما ظفروا به بإيمانهم. وهو مجاوزة البحر والأمان من الغرق، ولذلك أيضا جمع بين الإيمان والإسلام. ليزيل بذلك أثر ما كان يصر عليه من المعصية. فالإيمان كان من أجل مصلحة، وهذا النوع من الإيمان لا ينفع صاحبه حين البأس. قال تعالى: (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون) (224) إنها سنة الله في عباده أن لا تقبل

(220) سورة الدخان، الآية: 29.
(221) الميزان: 141 / 18.
(222) ابن كثير: 142 / 4.
(223) الميزان: 117 / 10.
(224) سورة غافر، الآيتان: 84 - 85.
(٢٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 ... » »»
الفهرست