الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٥٠
الموت والبعث - وثالثا أن التعذيب في البرزخ ويوم تقوم الساعة بشئ واحد، وهو نار الآخرة، لكن البرزخيين يعذبون بها من بعيد وأهل الآخرة بدخولها.
والمعنى: وحاق بآل فرعون سوء العذاب إذ يتحاجون في النار، أو.. واذكر من سوء عذابهم إذ يتحاجون في النار، فيقول الضعفاء منهم. للذين استكبروا. إنا كنا في الدنيا لكم تبعا. وكان لازم ذلك أن تكفونا في الحوائج وتنصرونا في الشدائد ولا شدة أشد مما نحن فيه. فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار. وإن لم يكن جميع عذابها فقد قنعنا بالبعض. وهذا ظهور مما رسخ في نفوسهم في الدنيا من الالتجاء بكبريائهم ومتبوعيهم من دون الله. يظهر منهم ذلك يوم القيامة. وهم يعلمون أنهم في يوم لا تغني فيه نفس عن نفس شيئا، والأمر يومئذ لله. فيقول مستكبروهم: إن اليوم يوم جزاء لا يوم عمل، فالأسباب ساقطة عن التأثير، وقد طاحت منا ما كنا نتوهمه لأنفسنا في الدنيا من القوة والقدرة، فحالنا وحالكم ونحن جميعا في النار واحدة، ولسنا نختص دونكم بقوة حتى نغني عنكم شيئا من العذاب ومما قيل في الآية: إن الضمير في قوله: (يتحاجون) لمطلق الكفار من أهل النار.. بعيد. والقول بأن الضمير لقريش أبعد (240).
لقد انتهت الرحلة بالنار، نار في عالم البرزخ ونار يوم القيامة، كما انتهت بلعن في الدنيا، وفي الآخرة هم من المقبوحين. لقد انتهت الرحلة في الدنيا بالغرق وتدمير ما يعرشون ويوم القيامة بئس الرفد المرفود. إن فرعون وقومه إنتاج حقيقي لعالم الانحراف بجميع رموزه وأعلامه، لقد حملت الدولة الفرعونية شذوذ وانحراف قوم نوح وقوم عاد وقوم ثمود وأهل مدين ففرعون إمام دولة له مجموعة عمل قادرة على التأثير، ولديه الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن ينفذ بها سياسته التي دق الكفر أوتادها على امتداد زمن طويل، ولأن فرعون مدخل للصد عن سبيل الله ومدخل إلى النار أفاض القرآن في قصته وحذر تعالى الإنسانية كلها من طرق وخطوط فرعون فقال تعالى: (فأخذه الله نكال الآخرة والأولى * إن في ذلك لعبرة لمن يخشى) (241) قال المفسرون: إن في حديث موسى وقصته لعبرة لمن كان له خشية، وكان من غريزته أن يخشى الشقاء والعذاب والإنسان من

(240) الميزان: 336 / 17.
(241) سورة النازعات، الآية: 26.
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 253 255 256 257 ... » »»
الفهرست