الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٤٨
(ننجيك ببدنك) بمعنى نجعلك على نجوة من الأرض وهذا لا يفي بدفع الإشكال من أصله. فإن الذي جعل على نجوة هو بدن فرعون على قولهم. وهو غير فرعون قطعا وإلا كان حيا سالما. ولا مناص إلا أن يقال: إن ذلك بعناية الاتحاد الذي بين الإنسان وبدنه، ولو صححت هذه العناية إطلاق اسم الإنسان على بدنه من غير نفس، لكان لها أن تصحح نسبة التنجية إلى الإنسان من جهة وقوع التنجية ببدنه. وخاصة مع وجود القرينة الدالة على أن المراد بالتنجية هي التي للبدن، دون التي للإنسان المستتبع لحفظ حياته وسلامته نفسا وبدنا والقرينة هي قوله: (ببدنك) (232).
* مشهد من حياة النار:
دفعت الأمواج بالبدن ليكون للأجيال عبرة وليعلموا أن الله تعالى هو القادر الذي ناصية كل دابة بيده، وأنه لا يقوم لغضبه شئ (وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون) أي لا يتعظون بها ولا يعتبرون (233) لقد ذهب فرعون وقومه، بعد أن خطوا على جبين الرحلة البشرية خطوطا عديدة للانحراف، كانوا هم أئمتها وفقهاؤها. ولقد حذر الله تعالى عباده من هذه الخطوط ومن هؤلاء الأدلة. قال تعالى: (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار) (234) قال المفسرون الدعوة إلى النار، هي الدعوة إلى ما يستوجب النار من الكفر والمعاصي، ومعنى جعلهم أئمة يدعون إلى النار. تصييرهم سابقين يقتدي بهم اللاحقون وقال تعالى:
(وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة) (235) قال المفسرون: فهم لكونهم أئمة يقتدي بهم من خلفهم في الكفر والمعاصي، لا يزال يتبعهم ضلال الكفر والمعاصي من مقتديهم ومتبعيهم وعليهم من الأوزار مثل ما للمتبعين فيتبعهم لعن مستمر باستمرار الكفر والمعاصي بعدهم، فالآية في معنى قوله تعالى: (وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم) (236).

(232) الميزان 190 / 10.
(233) ابن كثير: 431 / 2.
(234) سورة القصص، الآية: 41.
(235) سورة القصص، الآية: 42.
(236) سورة العنكبوت، الآية: 13.
(٢٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 243 244 245 246 247 248 249 250 251 253 255 ... » »»
الفهرست