الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٥٨
قوله: (وكلا فضلنا على العالمين) فالعالم هو الجماعة من الناس. كعالم العرب وعالم العجم وعالم الروم. ومعنى تفضيلهم على العالمين، تقديمهم بحسب المنزلة على عالمي زمانهم. لما أن الهداية الخاصة الإلهية أخذتهم بلا واسطة. وأما غيرهم من الناس فإنما تشملهم رحمة الهداية بواسطتهم. ويمكن أن يكون المراد. تفضيلهم بما أنهم طائفة مهدية بالهداية الفطرية الإلهية من غير واسطة على جميع العالمين من الناس. سواء عاصروهم أو لم يعاصروهم. فإن الهداية الإلهية من غير واسطة. نعمة يتقدم بها. تلبس بها على من لم يتلبس.
وقد شملت المذكورين من الأنبياء ومن لحق بهم من آبائهم وذرياتهم وإخوانهم.
فالمجتمع الحاصل من الأنبياء الملتف حولهم مفضل على غيرهم جميعا بتفضيل إلهي (7).
فالذين حول دائرة النبوة، مهديون إلى صراط مستقيم وفي أمن إلهي من خطرات السير وعثرات الطريق. أما الذين يسيرون على طريق يفرقون فيه بين رسل الله، فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، أو يفرقون فيه بين أحكام الله وشرائعه، فيؤخذ فيه ببعض ويترك بعض، أو يركبون الطرق التي لا تضمن سعادة حياة المجتمع الإنساني، فهذه الطرق هي الطرق التي لا مرضاة فيها لله سبحانه، لأن أصحابها انحرفوا عن دائرة الأنبياء التي هي شريعة الفطرة إلى مهابط الضلال ومزالق الأهواء. فبني إسرائيل فضلهم الله على العالمين لأنهم الأرضية لأنبياء بني إسرائيل. فبدون الأنبياء ما ذكر اسم بني إسرائيل. وبني إسرائيل بدون الدين الحق. لا قيمة لهم ولا وزن. ولذا نرى أنهم عندما طالبوا موسى بأن يجعل لهم آلهة من دون الله، ردهم عليه السلام إلى دائرة التفضيل التي لا تستند إلا على الدين الحق. يقول تعالى: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون * إن هؤلاء متبر ما هم فيه وبطل ما كانوا يعملون * قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين * وإذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب....) (8) الآية قال المفسرون: كانت نفوسهم قد تأثرت بالعبادات

(7): الميزان: 243 / 7.
(8) سورة الأعراف، الآيات: 138 - 141.
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 253 255 256 257 258 259 260 261 262 263 ... » »»
الفهرست