الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٤٠
الدعاء القاصم لفرعون وقومه، يقول تعالى: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين * وقال موسى ربنا إنك أتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم * قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون) (196) قال المفسرون: وهذه الدعوة كانت من موسى غضبا لله ولدينه على فرعون وملئه الذين تبين له أنهم لا خير فيهم ولا يجئ منهم شئ، كما دعا نوح عليه السلام فقال: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) (197) واستجاب الله تعالى لموسى عليه السلام فيهم هذه الدعوة (198). وذكر المفسرون أن موسى عليه السلام كان يدعو. وكان هارون يؤمن له. فقد كانا معا يدعوان وإن كان متن الدعاء لموسى عليه السلام وحده، وأمرهما الله تعالى بعد أن أجاب دعوتهما أن يستقيما أي أن يثبتا على ما أمرهم الله به وإحياء كلمة الحق ولا يتبعان سبيل الذين لا يعلمون بإجابة ما يقترحونه عليهما عن أهواء أنفسهم ودواعي شهواتهم وفي هذا تلويح إلى أن فرعون وملائه سيسألون أمورا فيها إحياء سنتهم القومية وسيرتهم الجاهلية (199) وتحت مظلة الدعاء وقف موسى وقومه في محراب الإيمان. ووقف فرعون وقومه على طريق الانحراف والشذوذ والصد عن سبيل الله لم يفكروا ما الذي ينتظرهم هناك في نهاية الطريق؟ وهم لم يفكروا لأنهم صادروا العقل وصادروا البصيرة من قديم، والتفوا حول كهنة المعابد ليأخذ القوم نصيبهم من الدخان ويأخذ فرعون نصيبه من الأمتعة التي تحيط به في الدنيا وترتفع به إلى عالم الاستكبار، وعند موته تربط الأمتعة ربطا متينا وتوضع معه في قبره. فلا يستفيد الأحياء منها ولا الأموات. إن عقيدة الشمس تقف بأصحابها عند السراب في نهاية الطريق. ولكن القوم رضوا بها لأن عليها بصمات الآباء، تلك البصمات التي حجبت نفوسهم فلم يتدبروا حقيقة النور الذي جعله الله تعالى في يد موسى عليه

(196) سورة يونس، الآيات: 87 - 89.
(197) سورة نوح، الآيتان: 26 - 27.
(198) ابن كثير: 429 / 2.
(199) الميزان: 117 / 10.
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»
الفهرست