الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٣٨
معها جنبا بجنب. فكان فرعون ينادي في قومه: انظروا أنا من طبقة أعلى من طبقة البشر. أعلى بكثير من طبقة موسى، وها هي الأنهار وها هم الجنود والكهنة الجميع على أرض مصر مسخر لخدمتي، كما سخروا لخدمة آبائي من قبل الذين تشهد متون الأهرامات بأنهم كانوا آلهة أبناء آلهة (185) فكيف يأتي موسى وهو الذي لا يمتلك شيئا ولا يرجى منه شئ. وليس له أن يكون حمالا عندنا كيف يأتي ويفرض نفسه دليلا علينا. يقول تعالى عن الفقه الفرعوني في سياسة التشهير بعد جحود القوم بآيات الله: (ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون * أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين * فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين * فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين) (186) قال المفسرون: جمع قومه ونادى فيهم متبجحا مفتخرا بملك مصر وتصرفه فيها - قائلا: أفلا ترون ما أنا فيه من العظمة والملك. وموسى وأتباعه فقراء ضعفاء لا ملك لهم ولا سلطان، كما أن موسى الذي يريد أن يكون عليكم (لا يكاد يبين) أي أن لسانه فيه ثقل وفرعون في هذا كاذب، لأن الله تعالى رفع عن موسى هذا الثقل لقوله تعالى: (قال قد أوتيت سؤلك يا موسى) (187) بعد قوله عليه السلام: (واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي) (188) وفرعون عندما يطرح على قومه ما هو ليس بموجود دليل على أنه كان يعلم أن عقول قومه في سلة مهملاته. ثم قال فرعون ما قاله قبله كفار قوم نوح وكفار عاد وثمود. ولكن على طريقة فرعون، فقال: لو كان موسى رسولا.
لألقي إليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة يخدمونه ويشهدون بتصديقه، وكانت المعابد الفرعونية تعج حينئذ بالعديد من الكهان السحرة. الذين يوهمون الناس بأن داخل المعابد ملائكة تعمل في خدمة الفرعون، وعلى هذا شب القوم... وعندما قال فرعون هذا لقومه وافقوه (فاستخف قومه فأطاعوه) أي استخف عقولهم وأحلامهم، ودعاهم إلى الضلالة فاستجابوا له (189) والمقولة

(185) تاريخ الجوع والخوف / للمؤلف / تحت الطبع.
(186) سورة الزخرف، الآيات: 51 - 54.
(187) سورة طه، الآية: 36.
(88 1) سورة طه، الآيتان: 27 - 28.
(189) الميزان: 111 / 18، ابن كثير: 130 / 4.
(٢٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 ... » »»
الفهرست