من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى) (136) وفي الوقت الذي كان فرعون يهدد فيه بالعقاب، جاءه الرد من السحرة: (قالوا إنا إلى ربنا منقلبون * وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين) (137).
قال المفسرون: لقد آمنوا بالبعث، وذلك في قوله: (قالوا إنا إلى ربنا منقلبون). وقد قابلوه بما يبطل كيده، وتنقطع به حجته، وهو أنك تهددنا بالعذاب قبال ما تنقم منا من الإيمان بربنا ظنا منك أن ذلك شر لنا، إن ذلك ليس بشر لأننا نرجع إلى ربنا، وإن ما تظنه أنت جرما هو لنا خير. لقد حطموا له قاعدته: (ما أريكم إلا ما أرى). أخبروه أنهم قد تحققوا أنهم إلى الله راجعون. وأن عذاب الله أشد من عذابه. وأنهم يصبرون اليوم على عذاب فرعون طمعا في أن ينجيهم الله من عذابه الأليم يوم القيامة، ولهذا قالوا: (ربنا أفرغ علينا صبرا) أي عمنا بالصبر على دينك والثبات عليه (وتوفنا مسلمين) أي متابعين لموسى وهارون، وقالوا لفرعون: (فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) وهكذا كانوا في أول النهار سحرة يقولون قد أفلح اليوم من استعلى. ويلقون حبالهم قائلين بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون. وبعد أن شاهدوا آية ربهم لما جاءتهم آمنوا، ثم وقفوا بإيمانهم أمام الجبروت الفرعوني، واستغاثوا بربهم أن يفرغ عليهم الصبر، لقد شبهوا أنفسهم بالآنية والصبر بالماء، وإعطاءه بإفراغ الإناء بالماء، وهو صبه فيه حتى يغمره، وإنما سألوا ذلك ليفيض الله عليهم من الصبر، ما لا يجزعون به عند نزول أي عذاب وألم ينزل بهم.
لقد طلبوا الصبر عليهم، لأن الفرعون قاس، وفي آخر النهار كان السحرة على جذوع النخل. تجري الدماء من أطرافهم، لكنها كانت دماء كماء الصبر، وهكذا بدأوا النهار سحرة وختموه شهداء بررة. أما فرعون فانطلق إلى قصره كالثور الهائج يهدد ويتوعد (وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم وإنا