الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٠٥
(فأتياه) ولم يقل اذهبا إليه. وإتيان الشئ أقرب مساسا به من الذهاب إليه.
ولم يكن إتيان فرعون وهو ملك مصر بذاك السهل الميسور. وقيل: (فقولا) ولم يقل: فقولا له. كأنه لا يعتني به. وقيل: (إنا رسولا ربك) و (بآية من ربك) فقرع سمعه مرتين بأن له ربا وهو الذي كان ينادي بقوله: (أنا ربكم الأعلى) وقيل: (والسلام على من اتبع الهدى) ولم يورد بالخطاب إليه.
ونظيره قوله: (إن العذاب على من كذب وتولى) من غير خطاب... وليس في ذلك خشونة في الكلام. وخروج عن لين القول الذي أمر به أولا. لأن ذلك حق القول الذي لا مناص من قرعه سمع فرعون. من غير تملق ولا احتشام وتأثر من ظاهر سلطانه الباطل وعزته الكاذبة (71).
* 5 - النبي في مواجهة الانحراف:
روي أن موسى عليه السلام بعد أن كلمه الله تعالى في الوادي المقدس، توجه سائرا ومعه أهله ومواشيه إلى مصر ودخلها ليلا. ونزل في دار أهله التي فيها أمه وأخوه وبقية أهله وقد كان أخوه هارون قد استقبله وتلقاه عند شاطئ النيل وعلم بإعلام الله له، وعندما نزل في دار أهله كان لملاقاتهم له واجتماعهم به بعد تلك الغيبة الدهشة والسرور العظيم الباهر خصوصا لأمه الطاهرة. وقد أخبرهم بأمره ومجمل ما حل به، وروي أن موسى عندما ذهب إلى فرعون. أتى بابه فاستأذن عليه. فلم يأذن له. فضرب بعصاه الباب فاصطكت الأبواب منفتحة ثم دخل على فرعون فأخبره أنه رسول رب العالمين وسأله أن يرسل معه بني إسرائيل. وكان خطاب موسى لفرعون خطاب رفق ولطف ولين مع كمال الصبر في تبليغه (72).
لقد قام موسى عليه السلام بإبلاغ الرسالة إلى فرعون في المقام الأول، وفرعون إذا كان يحكم مصر وحده كما هو ظاهر، إلا أنه له أعوان يمهدون له كل طريق للظلم ويرفعون له كل كراسي الاستكبار، وإذا كان فرعون في مرتبة، وهم في مرتبة أخرى. إلا أن الجميع مجموعة عمل واحدة، وحزمة واحدة على طريق

(71) الميزان: 158 / 14.
(72) كتاب الأنباء: 285.
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»
الفهرست