مدين يؤم مصر ومعه أغنامه وامرأته.. انطلق سائرا في برية الشام، عادلا عن المدن والعمران مخافة الملوك الذين كانوا في الشام، فسار غير عارف بالطريق.
حتى انتهى إلى جانب الطور الغربي الأيمن، في عشية شتائية شديدة البرد وقد أظلم عليه الليل وأخذت السماء ترعد وتبرق وتمطر، وبينما موسى يتأمل ما قرب وما بعد، إذ آنس من جانب الطور نارا، فحسبه نارا، فقال لأهله: امكثوا إني آنست نارا.
(وهل أتاك حديث موسى * إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى) (60) قال المفسرون: رأى نارا، فرأى أن يذهب إليها. فإن وجد عندها أحدا سأله الطريق وإلا أخذ قبسا من النار ليضرموا به نارا فيصطلوا بها. وفي قوله: (قال لأهله امكثوا) إشعار بل دلالة على أنه كان مع أهله غيره. كما أن في قوله: (إني آنست نارا) دلالة على أنه إنما رآها وحده وما كان يراها غيره من أهله. ويؤيد ذلك قوله أيضا أولا: (إذ رأى نارا).
(فلما آتاها نودي يا موسى * إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى * وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى * إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري * إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى * فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى) (61).
قال المفسرون: ولما سمع موسى عليه السلام قوله تعالى: (يا موسى * إني أنا ربك) فهم من ذلك فهم يقين أن الذي يكلمه هو ربه. وفي قوله:
(نودي) حيث طوى ذكر الفاعل ولم يقل: ناديناه أو ناداه الله: من اللطف ما لا يقدر بقدر. وفيه تلويح أن ظهور هذه الآية لموسى كان على سبيل المفاجأة.
وقوله تعالى: (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري) (62) هذا هو الوحي الذي أمر عليه السلام بالاستماع له في إحدى عشر آية. تشتمل على النبوة والرسالة معا، أما النبوة ففي هذه الآية والآيتين بعدها، وأما الرسالة فتأخذ من