الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٠٠
المراضع، فجعله لا يقبل ثدي مرضع. فكلما أتوا له بمرضع لترضعه لم يقبل ثديها، حتى جاءت أخته ورأت الحال - وكانت أمه قد قالت لأخته حين ألقت به في النيل أن تتبع أثره - قالت لآل فرعون: هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لنفعكم وهم له ناصحون؟ فاستمعوا لها بالقبول، فدلتهم على أمه فسلموه إليها.
كي تقر عينها.
ثم إن موسى شب حتى أصبح رجلا في بيت فرعون. وكان بارعا باسلا قوي البأس، وافر القوة ذا عقل ورشد وكياسة حسن التصرف، كبير النفس، عالي الهمة، بعيد النظر، بطلا شجاعا مهيبا، غريبا في آرائه واختياره، عجيبا في مسلكه ومدخله ومخرجه، وجميلا في سياسته ومعاملة الناس، ففيه نبوغ ظاهر وعلم باهر وخلق حسن ومرؤة ولطف ودهاء، إلى ما لا يوصف ولا مثيل له، وقد جاء في الطبري: أنه من حينما شب موسى وقوي، كف المصريون عن بني إسرائيل، ومن الأمور البديهية أن يعرف فيه بنو إسرائيل الظهير والنصير لهم، وأن يلجأ إليه المضطهد والمظلوم منهم، ومع ذلك كله لم يخف عليه. من أنه دخيل في بيت فرعون. وأنه لو كشف أمره لظهر أنه من ذاك الشعب الذي يضطهده فرعون (58).
* 3 - الفرار إلى مدين:
ذكر البيضاوي أن موسى مكث في آل فرعون ثلاثين سنة. وأنه خرج يوما حينما كان في بيت فرعون على حين غفلة من أهل المدينة فوجد مصريا يأخذ عبرانيا ليسخره في بعض عمله بغير رضى منه، وهو يمتنع منه، فلما رأى العبراني موسى استغاث به فجاء موسى إلى المصري ووكزه فقتله، ولم يعلم بذلك الأمر سوى الرجل العبراني الذي نصره موسى. وذكر الطبري أن المصريين لما عثروا على القتيل، قالوا لفرعون: إن بني إسرائيل قد قتلوا رجلا من آل فرعون، فخذ لنا بحقنا! فقال لهم: أروني قاتله ومن يشهد عليه، فحينئذ أخذ آل فرعون في الفحص عن خصمهم. وبينما هم يطوفون في سكك المدينة مستمرين في التجسس والتفتيش، إذ مر موسى فوجد ذلك العبراني الذي كان سببا في قتل

(58) كتاب الأنباء: 262.
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 ... » »»
الفهرست