2 - الفرعون:
في عصر فرعون موسى كان بناء الشذوذ والانحراف قد اكتمل. ففرعون علا في الأرض يقول تعالى: (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم) (33) يقول المفسرون: العلو في الأرض كناية عن التجبر والاستكبار. ومحصل المعنى: أن فرعون علا في الأرض، وتفوق فيها ببسط السلطة على الناس، وإنفاذ القدرة فيهم، وجعل أهلها شيعا وفرقا مختلفة لا تجتمع كلمتهم على شئ وبذلك ضعف عامة قوتهم على المقاومة دون قوته والامتناع من نفوذ إرادته. وهو يستضعف طائفة منهم وهم بنو إسرائيل، وهم أولاد يعقوب عليه السلام وقد قطنوا بمصر منذ أحضر يوسف عليه السلام أباه وإخوته فسكنوها وتناسلوا بها (24).
فالذي رفع لافتة الحق الإلهي، فرق الناس حتى لا يجتمعون على كلمة.
وفي عالم الاختلاف أسرف فرعون وتجاوز الحد في الظلم والتعذيب، ولقد وصفه القرآن بأنه: (كان عاليا من المسرفين) (25) وأنه طغى (26) وأنه أضل قومه وما هدى (27) وأنه ذو الأوتاد (28) الذي كان يتفنن في قتل ضحاياه، وفرعون هذا الذي استكبر في الأرض، كان هو المصدر الوحيد للتشريع، فلقد أعلن على قومه إعلانه الهام (أنا ربكم الأعلى) (29) (وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري) (30) ووفقا لهذا الإعلان (قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) (31) وقومه الذين اختلفوا فيما بينهم بعد أن