الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٩
قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة وقوم فرعون وغيرهم. وهلك جميع هؤلاء ولكن فقه التحقير لم يهلك معهم لأنه باقي ما بقي الشيطان.
فالشيطان يطرحه على قوم وعند ذهاب السلف يلقيه الشيطان على الخلف وهكذا حتى تتسع الحلقات ليكون التحقير مألوفا على امتداد القافلة البشرية. تلك هي خطة الشيطان في فقه التحقير الذي يرفض الهدى ليفتح أبواب النار (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا) (15).
* بذور المتاجرة بالدين:
بعد أن لعن الله أول فاتح فتح باب معصية الله. وعصاه في أمره. طلب إبليس الإنظار إلى يوم يبعثون. فلما أجيب إلى ما سأل. أظهر ما هو كامن في ذاته. وما أبداه كان في حقيقة الأمر خطته الكاملة تجاه آدم وذريته. والخطة الشيطانية لم تترك منفذا إلا وراقبته. وإذا كان إبليس قد استثمر قوله: (أنا خير منه) في وضع فقه التحقير الذي أنتج نوعا من البشر يعمل ضد البشر. فإنه في مكان آخر عمل من أجل عرقلة طريق العبادة التي من أجلها خلق الله الجن والإنس. قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (16). قال المفسرون: إن الغرض العبادة. بمعنى كونهم عابدين لله. لا كونه معبودا. فقد قال. (ليعبدون) ولم يقل: لأعبد أو لأكون معبودا لهم... فالله هو المعبود الحق. وهو سبحانه قد بين للجن والإنس كيف يعبدوه. فالعبادة هي أن تعبد الله كما يريد الله. وإبليس أدلى بدلوه في اتجاهين.. الاتجاه الأول أنه وسوس للإنسان بعيدا عن المعنى المقصود (ليعبدون) ونصب خيمته في مربع، لأكون معبودا لهم. ووفقا لتصورات هذا المربع تم عبادة الأصنام والطاغوت على امتداد المسيرة البشرية. والاتجاه الثاني. وسوس للإنسان ليعرقل المسيرة نحو المعنى المقصود لقوله تعالى: (ليعبدون) فالله تعالى بين لعباده كيفية عبادته على لسان رسله عليهم السلام. ولما كانت دعوة الرسل على صراط مستقيم.
فإن إبليس نصب له خيمة على هذا الصراط مهمتها الصد عن سبيل الله وعرقلة

(15) سورة الكهف، الآية: 50.
(16) سورة الذاريات، الآية: 56.
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»
الفهرست