يأمروا به فيعصوا بمخالفته. فهم لم يعصوا شيئا ولم يبطلوا حقا. وحينئذ لم تتم حجة على الذرية. فلم تتم الحجة على جميع بني آدم. وهذا معنى قوله تعالى:
(أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) (8).
ولكي لا يكون للسلف وللخلف حجة على الله يوم القيامة. أخذ سبحانه الميثاق من بني آدم جميعا. وهذا الميثاق هو مخزون الفطرة. وحجة بذاته على الإنسان في كل حركة له على الأرض. وميثاق الفطرة هو العمود الفقري للعبادة التي خلق الله الإنسان لها. وهو الكشاف الذي يهدي إلى الطريق المستقيم ويجنب صاحبه الانزلاق في منجيات الإفساد وسفك الدماء التي لم ينف الله سبحانه وجودها عندما قالت الملائكة: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) وإذا كانت الفطرة كشاف يهدي إلى الصراط المستقيم فإن حدود هذا الصراط وضوابطه يحددها أنبياء الله عليهم السلام. وأنبياء الله على امتداد التاريخ الإنساني بعثوا بدين الفطرة. أي بالعبادة الحق التي تنسجم مع ميثاق الفطرة وتتكاتف معه على صراط مستقيم. فالأنبياء جاؤوا إلى نوع إنساني واحد ذات مقصد واحد. وهذا النوع له رب واحد. وهو الذي فطر السماوات والأرض.
والربوبية والألوهية ليست من المناصب التشريفية الوضعية. حتى يختار الإنسان منها لنفسه ما يشاء وكم يشاء وكيف يشاء بل هي مبدئية تكوينية لتدبير أمره.
والإنسان حقيقة نوعية واحدة. والنظام الجاري في تدبير أمره نظام واحد متصل مرتبط بعض أجزائه ببعض. ونظام التدبير الواحد لا يقوم به إلا مدبر واحد. لهذا فلا معنى لأن يختلف الإنسان في أمر الربوبية فيتخذ بعضهم ربا غير ما يتخذه الآخر. أو يسلك قوم في عبادته غير ما يسلكه الآخرون. فالإنسان نوع واحد يجب أن يتخذ ربا واحدا. هو رب بحقيقة الربوبية. وهو الله عز اسمه (9) بهذا جاء رسل الله وعلى هذا قامت دعوتهم عليهم السلام.
2 - بذور الانحرافات الكبرى:
لم تظهر بذور الإفساد وسفك الدماء الذي ذكرته الملائكة عندما خاطبهم