الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٣
لأزينن لهم المعاصي. والمراد بالتزين لهم في الأرض. غرورهم في هذه الحياة الدنيا وهو السبب القريب للإغواء (24) فالركوبة مزخرفة وتعبير من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل وهي تحمل زخارف كل عصر. وفي كل عصر يجري الذين اعتقدوا بأن في عروقهم تجري دماء الآلهة وغيرهم وراء الشهوات التي تستقيم مع كل منهم. وكل فرد فيهم يتحرك نحو شهوته بمقدار الغرس الذي غرسه الشيطان بداخله (وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا. ولأضلنهم ولأمنينهم لآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) (25) قال المفسرون:
لأضلنهم بالاشتغال بعبادة غير الله باقتراف المعاصي ولأغرنهم بالاشتغال بالآمال والأماني التي تصرفهم عن الاشتغال بواجب شأنهم وما يهمهم من أمرهم.
ولآمرنهم بشق آذان الأنعام وتحريم ما أحل الله. ولآمرنهم بتغيير خلق الله وينطبق على مثل الإخصاء وأنواع المثلة واللواط والسحاق. ولير من البعيد أن يكون المراد بتغيير خلق الله، الخروج عن حكم الفطرة وترك الدين الحنيف (26) فهذه الأشياء غرس الشيطان. وكل من اتخذ الشيطان له وليا ينطلق بغرسه ليصيب به ما يشتهيه في عالم الزينة والإغواء.
وتسير قافلة الزخرف والشهوات محملة بانحرافاتها وشهواتها بضجيج أو بلا ضجيج في مجتمعات هيمن عليها فقه الاحتناك. والاحتناك: الاقتطاع من الأصل. يقال: احتنك فلان من مال أو علم إذا استقصاه فأخذه كله. واحتنك الجراد الزرع إذا أكله كله. وحنك الدابة بحبلها إذا جعل في حنكها الأسفل حبلا يقودها به. والمعنى الأخير هو الأصل في الباب. والاحتناك: الإلجام. وقال المفسرون: قوله (لاحتنكن ذريته إلا قليلا) أي لألجمن ذريته إلا قليلا.
فأتسلط عليهم تسلط راكب الدابة الملجم لها عليها. يطيعونني فيما آمرهم.
ويتوجهون إلى حيث أشير لهم من غير أي عصيان وجماح.. إنه فقه تلجيم العقول وتكميم الأفواه وتعصيب العيون فقه لا يخدم إلا الغوغاء وتجار الشهوات لنشر الانحراف والشذوذ تحت لافتة براقة تنادي بالديمقراطية وحرية الإنسان فيما

(24) الميزان 164 / 12.
(25) سورة النساء، الآيتان: 118 - 119.
(26) الميزان: 84 / 85.
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 27 29 30 ... » »»
الفهرست