الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٧
الله بأنه جاعل في الأرض خليفة إلا عندما أمر سبحانه الملائكة بالسجود لآدم.
ففي هذا الوقت خط إبليس خط الانحراف الذي تنمو عليه بذور الافساد التي وضعها. يقول تعالى: (إذ قال ربك للملائكة أني خالق بشرا من طين. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. فسجد الملائكة كلهم أجمعون. إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين. قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين. قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) (10).
لقد ذكرت الآية أن مبدأ خلق الإنسان الطين. وفي سورة الروم التراب.
وفي سورة الحجر صلصال من حمأ مسنون. وفي سورة الرحمن صلصال كالفخار. ولا ضير فإنها أحوال مختلفة لمادته الأصلية التي منها خلق وقد أشير في كل موضع إلى واحدة منها. وأمر الله تعالى الملائكة. إذا سوى الإنسان بتركيب أعضائه بعضها على بعض وتتميمها صورة إنسان تام. ونفخ الروح فيه أن يقعوا له ساجدين. وسجد الملائكة لأمر الله. ولم يذكر أحد منهم. أي علاقة بين طين ونور. فعندما أمروا بالسجود سجدوا. ولم يشذ في هذا المشهد المهيب سوى إبليس (قال أنا خير منه) لقد علل عدم سجوده بما يدعيه من شرافة ذاته وأنه لكونه خلقه من نار خير من آدم المخلوق من طين. ويظهر للمتدبر الفطن أن رفض إبليس للسجود. هو في نفس الوقت رفض للخضوع للإنسان والعمل في سبيل سعادته. وإعانته على كماله المطلوب. على خلاف ما ظهر من الملائكة. فهو بإيبائه عن السجدة خرج من جموع الملائكة كما يفيده قوله تعالى: (ما لك ألا تكون مع الساجدين) وأظهر الخصومة لنوع الإنسان والبراءة منهم ما حيوا وعاشوا * - بذور الإستعلاء والتحقير:
وإبليس بعد أن لعنه الله وجعله من المطرودين من رحمته. وظف هذا الحقد وهذه الخصومة فيما بعد وذلك أنه وسوس لصنف من الناس وألقى في نفوسهم مقولة أنهم أرقى من البشر وتجري من عروقهم دماء الآلهة. ووفقا لهذا

(10) سورة ص، الآيات: 7 - 76.
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»
الفهرست