الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٤
ينف سبحانه عن خليفة الأرض الفساد وسفك الدماء. وقال سبحانه: (إني أعلم ما لا تعلمون) (4). فالإنسان قبل أن يخلق قدر الله أن تكون حركته على الأرض. ولأن هذه الحركة لحكمة ومن وراء هذه الحكمة هدف. أقام الله الحجة على هذه الحركة. فإذا اقترف الإنسان المعاصي وسفك الدماء: كانت الحجة شاهد عليه. ولا يوصف بالعدل من نسب إلى الله ذنوب عباده.
1 - حجة الفطرة:
وإذا كانت حركة الإنسان قدر لها أن تكون على الأرض. فإن هذه الحركة لا ينبغي لها أن تخرج عن دائرة العبادة لله إذا أراد صاحبها النجاة. أما إذا أراد أن يدلي بدلوه في مربعات الفساد وسفك الدماء. فإنه بحركته هذه يدور في عكس اتجاه النجاة وعندئذ لا يلومن إلا نفسه. قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) (5) قال المفسرون.
المراد بخلقهم للعبادة، خلقهم على وجه صالح لأن يعبدوا الله بجعلهم ذوي اختيار وعقل واستطاعة، والمعنى: أي ما خلقتهم إلا لأجل العبادة. ولم أرد من جميعهم إلا إياها. والغرض من خلقهم تعريضهم للثواب. وذلك لا يحصل إلا بأداء العبادات. ولما كان الإنسان قد خلق من أجل العبادة وعلى طريق هذه العبادة توجد دوائر للإفساد وسفك الدماء هدفها عرقلة هذه العبادة. فإنه تعالى وضع أصول هذه العبادة في حصن الفطرة الحصين. ليعبر الإنسان بفطرته السليمة تلك العقبات ويصل بعبادته إلى حيث ينال الثواب. فالفطرة شعاع يهدي صاحبه إلى طريق النجاة. والفطرة حجة بذاتها على الإنسان تنطق عليه بالحق يوم يقف أمام الله تعالى يوم القيامة ويقول له: (كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا).
ومخزون الفطرة الحجة بذاته جاء ذكره في أكثر من موضع من كتاب الله. منه قوله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني أدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين. أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون " (6) قال صاحب الميزان. أي أذكر للناس. موطنا قبل الدنيا أخذ فيه

(4) سورة البقرة، الآية: 30.
(5) سورة الذاريات، الآيتان: 56 - 57.
(6) سورة الأعراف، الآيتان: 172 - 173.
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»
الفهرست