الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٨
الاعتقاد ادعى هذا الصنف من البشر الألوهية وفي عهودهم اندرج الإنسان إلى مستوى أقل من مستوى البهيمة. فإبليس بهذه المقولة ذل الإنسان على أيدي الإنسان. من منطلق حقده وخصومته لآدم وأبنائه. ولم يقذف الشيطان بفقه (أنا خير منه) على الجبابرة الذين ادعوا الألوهية على امتداد التاريخ فقط. وإنما قذف بفقه (أنا خير منه) على الخاص والعام في الساحة الإنسانية لوقف تقدم دين الفطرة. فما من رسول أو نبي بعثه الله منذ ذرأ الله ذرية آدم إلا رفعت في وجهه لافتة تحقير الإنسان التي انبثقت من فقه (أنا خير منه) الذي يحمل بين طياته الخصومة لبني الإنسان. لقد واجه الخاص والعام رسل الله عليهم السلام بقول واحد على امتداد الرسالات فقالوا: (ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شئ) (11)، وقالوا: (إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدون عما كان يعبد آباؤنا) (12) وقالوا: (ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم) (13) لقد قام إبليس بتوظيف خصومته للإنسان. بأن بث ثقافة من شأنها أن تمنع السجود لله. وإذا كان هو أصل هذه الثقافة يوم أن رفض السجود. فإن هذه الثقافة حملها في الدنيا الإنسان ضد الإنسان بعد أن دق الشيطان وتدها في الكيان الإنساني.
وهذا الوتد كان له أثرا بالغا في الصد عن سبيل الله. يقول تعالى: (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا (14) وتحت مظلة تحقير الإنسان واجه رسول الله أشد الخصومات من الإنسان الذي استحوذ عليه الشيطان. لقد وقف تلاميذ الشيطان أمام الهدى الذي يطالبهم بالسجود لله.
وأثاروا قضية الشيطان القديمة ولكن في ثوب يستقيم مع عصورهم. فرفضوا النبي لأنه بشر خلقه الله من طين. فإذا كان لا بد من نبي فينبغي أن يكون ملكا رسولا.
ملكا من نار أو من نور. فهذا وحده الذي ينبغي أن يسمع لقوله. وتحت مظلة التحقير هذه ارتكبت أفظع الجرائم. وارتدت الأنانية أكثر من ثوب. وارتفع الأغيلمة السفهاء فوق الحلماء الأتقياء، وتحت مظلة السفهاء تم تصنيف البشر إلى خدم وأراذل وأشراف، وعلى امتداد التاريخ الإنساني، ضرب الكون سفهاء

(11) سورة يس، الآية: 24.
(12) سورة إبراهيم، الآية: 10.
(13) سورة المؤمنون، الآية: 24.
(14) سورة الإسراء، الآية 140.
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»
الفهرست