الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٥
ربك (من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) فما من أحد منهم إلا استقل من غيره وتميز منه. فاجتمعوا هناك جميعا. وهم فرادى. فأراهم ذواتهم المتعلقة بربهم (وأشهدهم على أنفسهم) فلم يحتجبوا عنه. وعاينوا أنه ربهم كما أن كل شئ بفطرته يجد ربه من نفسه من غير أن يحتجب عنه. (ألست بربكم) وهو خطاب حقيقي لهم. لا بيان حال. وتكليم إلهي لهم فإنهم يفهمون مما يشاهدون. أن الله سبحانه يريد به منهم الاعتراف وإعطاء الموثق. وقوله: (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) الخطاب للمخاطبين بقوله: (ألست بربكم) القائلين (بلى شهدنا) فهم هناك يعاينون الإشهاد والتكليم من الله. والتكلم بالاعتراف من أنفسهم. وإن كانوا في نشأة الدنيا على غفلة مما عدا المعرفة بالاستدلال. ثم إذا كان يوم البعث وانطوى بساط الدنيا. وانمحت هذه الشواغل والحجب عادوا إلى مشاهدتهم ومعاينتهم. وذكروا ما جرى بينهم وبين ربهم (7).
والمراد أنا أخذنا ذريتهم من ظهورهم. وأشهدناهم على أنفسهم.
فاعترفوا بربوبيتنا. فتمت لنا الحجة عليهم يوم القيامة. ولو لم نفعل هذا. ولم نشهد كل فرد منهم على نفسه بعد أخذه. فإن كنا أهملنا الإشهاد من رأس. فلم يشهد أحد أن الله ربه. ولم يعلم ربه. لأقاموا جميعا الحجة علينا يوم القيامة بأنهم كانوا غافلين في الدنيا عن ربوبيتنا. ولا تكليف على غافل ولا مؤاخذة.
وإن كنا لم نهمل أمر الإشهاد من رأس. وأشهدنا بعضهم على أنفسهم دون بعض بأن أشهدنا الآباء على هذا الأمر الهام العظيم دون ذرياتهم. ثم أشرك الجميع.
كان شرك الآباء شركا على علم بأن الله هو الرب لا رب غيره. فكانت معصية منهم. وأما الذرية فإنما كان شركهم بمجرد التقليد فيما لا سبيل لهم إلى العلم به لا إجمالا ولا تفصيلا. ومتابعة عملية محضة لآبائهم. فكان آباؤهم هم المشركون بالله العاصون في شركهم لعلمهم بحقيقة الأمر. وقد قادوا ذريتهم الضعاف في سبيل شركهم بتربيتهم عليه وتلقينهم ذلك. ولا سبيل لهم إلى العلم بحقيقة الأمر وإدراك ضلال آبائهم وإضلالهم إياهم. فكانت الحجة لهؤلاء الذرية على الله يوم القيامة. لأن الذين أشركوا وعصوا بذلك وأبطلوا الحق هم الآباء.
فهم المستحقين للمؤاخذة. والفعل فعلهم. وأما الذرية فلم يعرفوا حقا حتى

(7) تفسير الميزان، السيد الطباطبائي ط. مؤسسة الأعلمي بيروت: ص 322 / 8.
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»
الفهرست