لوط عليه السلام في بلاد الأردن على الأظهر، وكانت قريته التي حل بها وسكنها اسمها (سدوم) ويجاورها قراها الخمس. وذكر المسعودي: " أن هذه بلاد بين تخوم الشام والحجاز مما يلي الأردن وبلاد فلسطين إلا أن ذلك من خير الشام " (40) فهذا مكان لوط عليه السلام. أما مكان إبراهيم عليه السلام فكان في قلب الأرض التي بارك الله حولها في فلسطين. فالمسافة كانت تسمح بالتزاور بينهما. والذي نقصده من قرب المسافة أن نضع مكان إبراهيم ومكان لوط على لوحة واحدة، وننظر فيها بإمعان فإبراهيم عليه السلام هناك كان قد مسه الكبر، وكانت زوجته عجوزا عقيما. وقضية أن يكون لهما ولد قضية بمقاييس البشر مستحيلة. فالولد من رجل مسه الكبر وامرأة عجوز عقيم لا يأتي إلا بمعجزة خارقة للعادة وبأمر (كن) هذا هو الحال في فلسطين، أما في سدوم فالأمر مختلف، فهناك اتفاق شيطاني للقضاء على النسل. فالغلام والشاب والرجل والكهل.
ردوا على رسالة لوط إليهم بطريقة عملية تستقيم مع طريقة الذين رفضوا البشر الرسول من قوم نوح وعاد وثمود، فالأوائل رفضوا بشرية الرسول لأنهم يمتلكون ما لا يمتلكه الرسول، أما قوم لوط فرفضوا البشرية جمعاء بقطعهم السبيل، وهذا الرفض صورة معدلة من الرفض الشيطاني حين أمر بالسجود لآدم فقال: أنا خير منه! فالصورة الشيطانية لفقه أنا أخير منه ارتدى أكثر من رداء على امتداد المسيرة البشرية وجميع الأردية تصب في هدف واحد هو الصد عن سبيل الله.
إذ إبراهيم عليه السلام يقف على أرضية جدباء لا ولد فيها وهو ممتلئ بالرضا، وقوم لوط هناك يقفون على أرضية يمكن أن يكون عليها الخصب والولد ولكنهم أسرفوا وأفسدوا وقالوا لنبيهم ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين. لقد وقفوا في خندق المحاربة لله. ومن حارب الله قصمه الله وقطع دابره. إن الله تعالى لم يخلق شيئا إلا لهدف ومن وراء هذا الهدف حكمة. وما تسقط من ورقة في هذا الكون الفسيح إلا يعلمها. لقد انطلق إبراهيم ولوط من العراق إلى الأرض الجديدة رافعين راية التوحيد والفطرة وعلى رقعة واحدة بدأ كل منهما في تنفيذ ما أمره الله تعالى به. إبراهيم في أعلى الشامات يرفع راية التوحيد والفطرة ولوط في أدنى الشامات يرفع نفس الراية وسط فتات آدمي مهلهل زين له الشيطان